شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٨٠
للمغفرة مؤثرا إياها ويقدر أن لا يكون مريدا للمغفرة مؤثرا إياها مع أن عدم جواز هذا القول أظهر إذ مرتبة الجود بعد مرتبة إرادته ومرتبة الغفران بعد مرتبه إرادته وما ذلك إلا. باعتبار أن إرادة الخير والجود واختيار إفاضتهما من الصفات الذاتية التي ليست بمتعلقة للقدرة فالفرق بالوجه المذكور تحكم والحق ما ذهب إليه المحققون من أن إرادته تعالى من الصفات الذاتية الملحوظة في مرتبة الذات مثل العلم بل هي نفس العلم بالخيرات.
قلت: إن أردت بالإرادة في قولك «لا يجوز أن يقال يقدر أن يكون مريدا للخير - إلى آخره» الإرادة القديمة التي هي نفس العلم بالخيرات التي لنظام الوجود فالأمر كما ذكرت من عدم جواز هذا القول ولكن الظاهر أن كلام المصنف ليس في الإرادة القديمة كيف وهو لا ينكر علمه تعالى بالخيرات، والظاهر أنه لا يناقش تسميته بالإرادة وإنما كلامه في الإرادة الحادثة كما عرفت مرارا أو إن أردت بها الإرادة الحادثة فعدم جواز ذلك القول ممنوع لأن الإرادة الحادثة مما تتعلق بها القدرة فالفرق المذكور موجه تام والله أعلم.
ثم أشار إلى أن الصفات الذاتية كما لا يجوز أن تتعلق بها القدرة كذلك لا يجوز أن تتعلق بها الإرادة بقوله (ولا يجوز أيضا) كما لا يجوز أن يقال: يقدر أن يعلم ويقدر أن لا يعلم (أن يقال أراد أن يكون ربا وقديما وعزيزا وحكيما ومالكا وعالما وقادرا) (1) وأشار إلى عدم جواز هذا القول بقوله

1 - قوله «لا يجوز أيضا أن يقال أراد أن يكون ربا» قال صدر المتألهين (قدس سره) وجه آخر للفرق وذلك أنه لما كانت الإرادة فرع القدرة لأنها عبارة عن اختيار أحد طرفي المقدور والعزم عليه لأجل تحقيق الداعي، فما لا يكون مقدورا لا يكون مرادا وقد علمت أن الصفات الذاتية غير المقدورة فهي غير مرادة أيضا، ولكونها غير مرادة وجه آخر وهو قوله «لأن هذه من صفات الذات والإرادة من صفات الفعل» معناه أن الإرادة لكونها من صفات الفعل فهي حادثة وهذه الصفات يعني الربوبية والقدم والعزة والحكمة والملك والعلم والقدرة ونحوها (اكتفى المجلسي (رحمه الله) بقوله يعني الربوبية والقدرة وأمثالهما) لكونها من صفات الذات فهي قديمة ولا يؤثر الحادث في القديم فلا تعلق للإرادة بشيء منها، وقوله «ألا ترى أنه يقال أراد هذا ولم يرد هذا» (اكتفى المجلسي (رحمه الله) بقوله ألا ترى) توضيح لكون الإرادة لا تتعلق بالقديم بأن إرادة شيء مع كراهة ضده والقديم لا ضد له انتهى. وأورده المجلسي (رحمه الله) بعين عبارته إلا فيما أشرنا إليه.
واعلم أن البحث عن الصفات لدقته وابتنائه على الأصول العقلية والبراهين المنطقية وبعده عن منال عقول السذج كان عند الظاهريين منكرا مغفورا نظير نفرة الإخباريين عن الأصول ولما يكن في وسعهم التكلم فيه والتدبر في مسائله وكان الاعتراف بعجز أنفسهم ووجود عقول أعلى مرتبة من عقولهم شاقا عليهم أنكروا أصل البحث وقالوا إنه بدعة لم يرد به الشريعة وقال أبو محمد بن الحزم مع كمال تبحره وعلمه واطلاعه أن إطلاق لفظ الصفات لله عز وجل لا يجوز، وقال لم يرد لفظ الصفة في حديث إلا ما انفرد به سعيد بن أبي هلال في روايته عن عايشة «في رجل كان يقرأ قل هو الله أحد في كل ركعة وقال هي صفة الرحمن فأنا أحبها فأخبره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله يحبه آه» فانظر إلى جمودهم وفرارهم عن المعضلات وتدبر رواياتنا ودقتها وكلام المحدثين والمتكلمين منا في الصفات أدرك الفرق بين علوم أهل البيت وغيرهم وراجع صفحة 314. (ش)
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست