شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٢
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم، قال: في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله (عليه السلام) أنه قال له أتقول: إنه سميع بصير) توهم أنه يقول هو سميع بصير بالآلتين المعروفتين وقصده من هذا السؤال هو حمله (عليه السلام) على الإقرار به ليورد عليه أنه حينئذ شبيه بالخلق.
فكما أنه لا يحتاج إلى الموجد كذلك الخلق لا يحتاجون إلى الموجد فلا يثبت وجود الصانع (فقال أبو عبد الله (عليه السلام)) لدفع ذلك التوهم وإرشاده إلى الحق الصريح والقول الصحيح (هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة) لتنزهه عن الأحوال البشرية والعوارض البدنية واللواحق الحيوانية (بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه) ولدفع ما عسى أن يتوهم من إضافة النفس إليه أنه شيء والنفس شيء آخر قال: (وليس قولي إنه سميع بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر) وهو يسمع بذلك الشيء الآخر كالإنسان.
(ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك) أي أردت إفهاما لك (إذ كنت سائلا) الخبير العارف إذا سئل عن البسيط الصرف لا بد له من الإتيان بعبارات مناسبة لتفهيم السائل جاذبة له إلى الطريق الحق ولكن لما كانت العبارات مغياة بغايات خيالية ومشعرة بتركيب وأجزاء عقلية أو خارجية يتنزه ذات ذلك البسيط عنها وجب عليه جذب السائل عما يفيده ظاهر العبارة وهدايته إلى ما هو المقصود منها فلذلك نبهه (عليه السلام) على براءة الحق عما يفيده ظاهر الكلام المذكور وأرشده إلى ما هو المقصود منه بقوله (فأقول يسمع بكله) لا ببعضه كما يفهم من ظاهر الكلام المذكور ولما كان لفظ الكل أيضا مشعرا بالتركيب دفعه بقوله (لا أن كله له بعض) يسمع هو بجميع أجزائه أو ببعضها.
(لأن الكل لنا بعض) تعليل للنفي يعني أن الكل لنا بعض فإن الإنسان مركب من أجزاء خارجية هي الأعضاء والجوارح والنفس ومن أجزاء ذهنية هي الجنس والفصل فلو كان كله له بعض وقع التشابه بيننا وبينه وليس كمثله شيء، ويحتمل أن يكون تعليلا للمنفي يعني لا يتوهم أن كله له بعض لأجل أن الكل المعروف لنا له بعض لأن الكل فينا عبارة عن مجموع الأجزاء والكل فيه عبارة عن ذاته المقدسة المنزهة عن أنحاء التركيب والتعدد.
(ولكن أردت إفهامك) بما يناسبك (والتعبير عن نفسي) فوقع توهم التركيب في العبارة لا في المقصود منها (وليس مرجعي في ذلك كله) أي في قولي يسمع بنفسه ويسمع بكله (إلا أنه السميع البصير) لانكشاف المسموعات والمبصرات على أكمل وجه عند ذاته المجردة عن
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست