شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٥٧
قال القطب في كتاب درة التاج: ذهب أبو الحسين البصري إلى أن ذاته تعالى تقتضي العلم بالأشياء بشرط وجودها فيحدث له العلم بها عند وجودها لتحقق الشرط ويزول العلم عنه عند زوالها ويحدث علم آخر لزوال الشرط، وما أفاد (عليه السلام) من أن ذاته تعالى في الأزل علم بذاته وبجميع الأشياء يبطل أمثال هذه الأقاويل المزخرفة.
* الأصل:
6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك فقال بعضهم: قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئا من خلقه وقال بعضهم: إنما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا: إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته؟ فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره؟ فكتب: ما زال الله عالما تبارك وتعالى ذكره.
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد ابن بشير، عن فضيل بن سكرة) بضم السين المهملة وفتح الكاف المشددة.
(قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) الظاهر أن قلت على سبيل المكاتبة كما يشعر به آخر الحديث (جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل وجهه) أي عظمت ذاته المقدسة وارتفعت عن إدراك العقول والحواس لها (يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده) أي أنه متفرد في الوجود الذاتي لا شريك له، أو أنه موجود حال كونه متفردا في الوجود فوحده على الأول خبر «أن» وعلى الثاني حال والخبر محذوف. (فقد اختلف مواليك فقال بعضهم: قد كان يعلم) نفس ذاته ووحدته لاستحالة الجهل عليه (قبل أن يخلق شيئا من خلقه) وإذا علم ذلك علم جميع الأشياء قبل أن يخلقها لأن ذاته الحقة علم بجميع الأشياء فعلمه بذاته علم بها أيضا (1) كما بين في موضعه.

١ - قوله «فعلمه بذاته علم بها أيضا» إشارة إلى القاعدة المعروفة بينهم وهي أن بسيط الحقيقة كل الأشياء والأنسب لأذهان الأكثرين أن يقال العلم بالعلة التامة مستلزم للعلم بالمعلول فإذا علم أحد بوجود النار في مخزن القطن من غير مانع علم بوجود الإحراق والله تعالى علة كل شيء ويعلم ذاته فيعلم كل شيء ضمن علمه بذاته وعلمه التفصيلي بكل واحد واحد ليس بوجود كل واحد واحد متعينا بشرط لا عن الغير في ذاته حتى يستلزم التركيب والتجزئة في ذاته بل علمه التفصيلي في عين الكشف الإجمالي لذاته على ما بين في محله فانقطع مادة الشبهة بحذافيرها.
فإن قيل هؤلاء الموالي أي التابعون للأئمة (عليهم السلام) كيف خفى عليهم مذهب أئمتهم وذهبوا هذا المذهب الباطل وإنا إذا سمعنا قول بعض مقلدة الفلاسفة أنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا بوجه كلي نستوحش ونستغرب ونتبرأ منهم وقولهم أقل فحشا وبشاعة من قول أولئك الموالي لأن مقلدة الفلاسفة أثبتوا علمه تعالى بذاته وبكل شيء بوجه وأولئك أنكروا علمه تعالى بكل شيء غير ذاته في الأزل قلنا أولئك لما لم يكونوا معصومين جاز عليهم الخطأ وكان ردعهم واجبا على الأئمة (عليهم السلام) وليس الخطأ والتنبيه من الأئمة قادحا فيهم إلا إذا أصروا ولم يقبلوا بعد العلم ثم أن بعضهم مثل هشام بن الحكم على فرض صحة نسبة القول إليهم لم يكن تخطئتهم إلا في التعبير وسوء اختيار الاصطلاح وقد يتفق للعلماء استعمال اصطلاحات لا يستحسنه الناس من غير قصد مثل قول المجتهدين هذا رأيي وهذا مذهبي واجتهادي مع قول الإخباريين ليس لنا رأي واجتهاد بل لا نقول إلا بما قاله الأئمة (عليهم السلام) ولا ريب في رجحان الثاني عند العوام، وقول بعضهم إعادة المعدوم ممتنعة، والواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، وأن الله تعالى لا يدرك الجزئيات أي لا يحس بها بالجوارح وأمثال ذلك اصطلاحات يذهب ذهن السامع الجاهل إلى أمور غير مرادة مستبشعة وعلى ذلك ينبغي حمل كلام أمثال هشام بن الحكم في العلم والتجسيم وما ينقل من سائر العلماء ويزعم به الطعن عليهم فإنها جميعا يحمل على كونها اصطلاحات خاصة بهم. (ش)
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست