تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ١٣
القود والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا فإذا هو مسلم أو عرضا
____________________
فإنهم قالوا قال حمل ابن مالك: كنت بين بنتي امرأتي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل به، هكذا رووه.
وقال ابن المسيب عن أبي سليمة عن أبي هريرة: اقتتلت امرأتان من هذيل فضربت أحدهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها عبد وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها فقال حمل ابن مالك بن النابغة: يا رسول الله أغرم ممن لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك باطل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هذا من إخوان الكهان. وهذا هو المشهور عن حمل ابن مالك فكيف يصح أن يتصور عنه خلاف ذلك؟ ثم لا فرق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بين أن يموت بضربة واحدة وبين أن يوالي عليه ضربات حتى مات كل ذلك شبه عمد لا يوجب القصاص، واختلفوا على قولهما في الموالاة. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: يصير عمدا بها فوجب القصاص. ولو ألقاه من جبل أو سطح أو غرقه في الماء أو خنقه حتى مات كان ذلك شبه عمد عنده، وعندهما عمد وإنما كان آثما في شبه العمد لأنه ارتكب محرما في دينه قاصدا له وإنما وجبت الكفارة به لأنه خطأ من وجه فيدخل تحت النص على الخطأ. أقول:
المتبادر من قوله لدخوله تحت الخطأ أن هذه الكفارة إنما وجبت في شبه العمد باعتبار الدخول. فإن قلت: يرد عليه أن تعين الكفارة لدفع الذنب الأدنى بالشرع لا تعينها كما قالوا في العمد إذ لا شك أن شبه العمد أعلى ذنبا من الخطأ المحض فإن الجاني في شبه العمد قد قصد الضرب وفي الخطأ لم يقصد الضرب. وقد يجاب بأن ذنب شبه العمد دائر بين الأدنى والأعلى فإلحاقه بالأدنى أولى طلبا للتخفيف فلذا وجبت فيه الكفارة. وذكر صاحب الهداية أن صاحب الايضاح قال في الايضاح: وجدت في كتب أصحابنا أن الكفارة في شبه العمد لا تجب على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن الاثم كامل وتناهيه يمنع شرع الكفارة لأن ذلك من باب التخفيف. وجوابه على الظاهر أن يقول: إنه إثم الضر ب لأنه قصده لا إثم القتل لأنه لم يصدقه، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ وتجب بالضرب ألا ترى أنها لا تجب بالضرب بدون القتل وبعكسه تجب، فكذا عند اجتماعهما يضاف الوجوب إلى القتل دون الضرب. وأما وجوب الدية فلما روينا، وإنما وجبت على العاقلة لأنه خطأ من وجه على ما بينا فيكون معذورا فيتحقق التخفيف كذلك، ولأنها تجب بنفس القتل فتجب على العاقلة كما في الخطأ ولهذا أوجبها عمر رضي الله عنه في ثلاث سنين. ويتعلق بهذا القتل حرمان الميراث كالخطأ بل أولى لأنه جزاء القتل وهو أولى بالمجازاة لوجود القصد منه إلى الفعل، فحاصله أنه كالخطأ إلا في حق الاثم وصفة التغليظ في الدية على ما تبين من بعد إن شاء الله. قال رحمه الله: (والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا فإذا هو مسلم أو
(١٣)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 6 12 13 14 15 21 22 23 ... » »»
الفهرست