البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٤٦
لا تؤثر فيه النجاسة لأن السؤال إنما وقع عن ذلك والجواب إنما يقع عنه ا ه‍. وقال الإمام أبو نصر البغدادي: المعروف بالأقطع لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يتوضأ من بئر هذه صفتها مع نزاهته وإيثاره الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في لماء، فدل أن ذلك كان يفعل في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح ا ه‍. وقال الطحاوي: إن معنى قوله الماء لا ينجسه شئ والله أعلم أنه لا يبقى نجسا بعد إخراج النجاسة منه بالنزح وليس هو على حال كون النجاسة فيها وإنما سألوا عنه لأنه موضع مشكل لأن حيطان البئر لم تغسل وطينها لم يخرج فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يعفى للضرورة مثل قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن لا ينجس ليس معناه أنه لا يتنجس وإن أصابته النجاسة. فإن قيل: العبرة لعموم اللفظ وهو لا ينجسه شئ لا لخصوص السبب وهو بئر بضاعة، فكيف خص هذا العموم بوروده في بئر بضاعة؟ قلنا: إنما لا يخص عموم اللفظ بسببه إذا لم يكن المخصص مثله في القوة وههنا قد ورد ما يخصصه وهو يساويه في القوة وهو حديث المستيقظ، وحديث لا يبولن أحدكم وإنما خصصناه بهذين الحديثين دفعا للتناقض فكان من باب الحمل لدفع التناقض لا من باب التخصيص بالسبب، ولأنا ما خصصناه ببئر بضاعة بل عدينا حكمه منها إلى ما هو في معناها من الماء الجاري وترك عموم ظاهر الحديث لدفع التناقض واجب. كذا ذكره السراج الهندي وصاحب المعراج، وتعقبه في فتح القدير بأنه لا تعارض لأن حاصل النهي عن البول في الماء الدائم تنجس الماء الدائم في الجملة لا كل ماء إذ ليست اللام فيه للاستغراق للاجماع على أن الكثير لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة. وحاصل الماء طهور لا ينجسه شئ عدم تنجس الماء إلا بالتغير بحسب ما هو المراد المجمع عليه وإلا تعارض بين مفهومي هاتين القضيتين، وأما حديث المستيقظ من منامه فليس فيه تصريح بتنجس الماء بتقدير كون اليد نجسة بل ذلك تعليل منا للنهي المذكور وهو غير لازم أعني تعليله بتنجس الماء عينا بتقدير نجاستهما لجواز كونه أعم من النحاسة والكراهة فنقول: نهى لتنجس الماء بتقدير كونها متنجسة بما يغير أو للكراهة بتقدير كونها بما لا يغير، وأين هو من ذلك الصريح الصحيح؟ لكن يمكن إثبات المعارض بقوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب الحديث فإنه يقتضي نجاسة الماء ولا يغير بالولوغ فتعين ذلك الحمل والله سبحانه وتعالى أعلم ا ه‍.
وقد يقال إن اللام في حديث لا يبولن أحدكم في الماء للعموم حتى حرم البول في الماء القليل والكثير جميعا فاختصت القضية الثانية بالقليل بدليل يوجب تخصيصها حتى لم يحرم
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست