بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ١٨٤
يصير موضع الاشتقاق علة للحكم المذكور كقوله تعالى جل وعلا والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله سبحانه وتعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والطعام اسم مشتق من الطعم فيدل على كون الطعم علة ولان العلة اسم لوصف مؤثر في الحكم ووصف الطعم مؤثر في حرمة بيع المطعوم والحكم متى ثبت عقيب وصف مؤثر يحال إليه كما في الزنا والسرقة ونحو ذلك وبيان تأثير الطعم انه وصف ينبئ عن العزة والشرف لكونه متعلق البقاء وهذا يشعر بعزته وشرفه فيجب اظهار عزته وشرفه وذلك في تحريم بيع المطعوم بجنسه وتعليق جوازه بشرطي التساوي في المعيار الشرعي واليد لان في تعلقه بشرطين تضييق طريق اصابته وما ضاق طريق اصابته يعز وجوده فيعز امساكه ولا يهون في عين صاحبه فكان الأصل فيه هو الحظر ولهذا كان الأصل في الابضاع الحرمة والحظر والجواز بشرطي الشهادة والولي اظهارا لشرفها لكونها منشأ البشر الذين هم المقصودون في العالم وبهم قوامها والابضاع وسيلة إلى وجود الجنس والفوت وسيلة إلى بقاء الجنس فكان الأصل فيها الحظر والجواز بشرطين ليعز وجوده ولا تتيسر اصابته فلا يهون امساكه فكذا هذا وكذا الأصل في بيع الذهب والفضة بجنسهما هو الحرمة لكونها أثمان الأشياء فيها وعليها فكان قوام الأموال والحياة بها فيجب اظهار شرفها في الشرع بما قلنا (ولنا) في اثبات الأصل إشارات النصوص من الكتاب العزيز والسنة والاستدلال (أما) الكتاب فقوله تعالى أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين وقال سبحانه وتعالى ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها جعل حرمة الربا بالمكيل والموزون مطلقا عن شرط الطعم فدل على أن العلة هي الكيل والوزن وقال سبحانه وتعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألحق الوعيد الشديد بالتطفيف في الكيل والوزن مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغيره (وأما) السنة فما روى أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا جنيبا فقال أو كل تمر خيبر هكذا فقال لا ولكني أعطيت صاعين وأخذت صاعا فقال عليه الصلاة والسلام أربيت هلا بعت تمرك بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا وكذلك الميزان وأراد به الموزون بطريق الكناية لمجاورة بينهما مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغير المطعوم وكذا روى مالك بن أنس ومحمد بن إسحاق الحنظلي باسنادهما الحديث المشهور الذي رواه محمد في كتاب البيوع عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في آخره وكذلك كل ما يكال أو يوزن (وأما) الاستدلال فهو ان الفضل على المعيار الشرعي من الكيل والوزن في الجنس إنما كان ربا في المطعومات والأثمان من الأشياء الستة المنصوص عليها لكونه فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة وقد وجد في الجص والحديد ونحوهما فورود الشرع ثمة يكون ورودا هنها دلالة وبيان ذلك ان البيع لغة وشرعا مبادلة المال بالمال وهذا يقتضى التساوي في البدلين على وجه لا يخلو كل جزء من البدل من هذا الجانب عن البدل من ذلك الجانب لان هذا هو حقيقة المبادلة ولهذا لا يملك الأب والوصي بيع مال اليتيم بغبن فاحش ولا يصح من المريض الا من الثلث والقفيز من الحنطة مثل القفيز من الحنطة صورة ومعنى وكذلك الدينار مع الدينار (أما) الصورة فلأنهما متماثلان في القدر وأما معنى فان المجانسة في الأموال عبارة عن تقارب المالية فكان القفيز مثلا للقفيز والدينار مثلا للدينار ولهذا لو أتلف على آخر قفيزا من حنطة يلزمه قفيز مثله ولا يلزمه قيمته وإذا كان القفيز من الحنطة مثلا للقفيز من الحنطة كان القفيز الزائد فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة فكان ربا وهذا المعنى لا يخص المطعومات والأثمان بل يوجد في كل مكيل بجنسه وموزون بمثله فالشرع الوارد هناك يكون واردا ههنا دلالة (وأما) قوله الأصل حرمة بيع المطعوم بجنسه فممنوع ولا حجة له في الحديث لأنه عليه الصلاة والسلام ما اقتصر على النهى عن بيع الطعام بالطعام ليجعل الحظر فيه أصلا بل قرن به الاستثناء فقال عليه الصلاة والسلام الا سواء بسواء فلا يدل على كون الحرمة فيه أصلا وقوله جعل الطعم علة دعوى ممنوعة أيضا والاسم
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306