المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨٤
انه إذا لم يرجع الشهود والولي ولكن جاء المشهود بقتله حيا فان الدية تجب على عاقلة الولي والشهود ويتخير ولى القتيل في ذلك وهكذا ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وإنما تجب في مالهم إذا رجعوا لان وجوب ذلك بالاعتراف وإذا قضى القاضي بالدم بشهادة الشاهدين فلم يقتل حتى رجعا استحسنت ان ادرأ القصاص عنه وهو قول أبي حنيفة الآخر وكأن يقول أولا يستوفى القصاص وهو القياس لان القصاص محض حق العبد فيتم القضاء بنفسه والرجوع بعد القضاء لا يمنع الاستيفاء كالمال والنكاح فان القاضي إذا قضى بالنكاح ثم رجع الشهود لا يمنع استيفاء الوطئ على الزوج وإن كان في القصاص يحتاط في الاستيفاء فكذلك في الوطئ وجه قوله الآخر ان القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات والغلط فيه لا يمكن تداركه فيكون بمنزلة الحدود فكما أن في الحدود لا يتم القضاء بنفسه ويجعل رجوع الشهود مع القضاء قبل الاستيفاء بمنزلة الرجوع قبل القضاء فكذلك في القصاص بخلاف المال فإنه يثبت مع الشبهات وبخلاف النكاح لأن العقد هناك ينعقد بقضاء القاضي ظاهرا وباطنا وهاهنا ما لم يكن واجبا من القصاص لا يصير واجبا بقضاء القاضي ولا بد من قيام الحجة عند الاستيفاء وأصل شهادة الشهود فإذا لم يبق حجة بعد رجوعهم يمتنع الاستيفاء وكل دية وجبت بغير صلح فهي في ثلاث سنين لأنها وجبت بالقتل وتقوم الدم بالمال ثابت شرعا بخلاف القياس وإنما قومه الشرع بمال مؤجل فكما لا يزاد في قدر ذلك بحال فكذلك لا يزاد في صفته بأن يجعل حالا وإذا شهد شاهدان بالدم فاقتص من القاتل ثم قالا أخطأنا إنما القاتل هذا لم يصدقا على الثاني لأنهما شهدا على أنفسهما بالقتل وغرما الدية للأول لأنهما رجعا عن الشهادة عليه ونحو ذلك مروى عن علي بن إبراهيم يعنى في السرقة ولو شهدا بدم على رجلين فقتلا بشهادتهما ثم رجع أحدهما في أحد الرجلين فعليه نصف دية هذا الرجل الواحد في ثلاث سنين ولا يضمن من دية الآخر شيئا لأنه لم يرجع عن شهادته فيه وقد بقي على الشهادة في حق الآخر من يقوم به نصف الحق فيجب على الراجع نصف ديته ولو لم يرجع وادعى عليه أولياء المقتص منه انه رجع وسألوا يمينه على ذلك فليس عليه يمين لأنهم لو أقاموا البينة عليه بالرجوع لم تقبل فكيف يستحلف عليه وهذا لان الرجوع في غير مجلس الحكم لا يتعلق به حكم فكانت هذه دعوى باطلة منهم وان رجع الشاهد فلزمه نصف الدية في ماله في ثلاث سنين فمات أخذ ذلك من ماله حالا لوقوع الاستغناء له عن الاجل بالموت وان
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست