المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٧٨
وأخوه غائب وأقام البينة انه قتل أباه عمدا فانى أقبل ذلك وأحبس القاتل فإذا قدم أخوه كلفهم جميعا أن يعيدوا البينة في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يكلفهم إعادة البينة ولو كان هذا في دم خطأ لم يكلفوا إعادة البينة في قولهم جميعا وأجمعوا أن الحاضر لا يستوفى القصاص لتوهم العفو منه لهما إذ كل واحد منهما من الورثة خصم عن نفسه وعن أصحابه فيما يدعي للميت ويدعى عليه كما في الخطأ وغيره من الحقوق ولان القصاص حق الميت بدليل انه لو عفا عن الجارح صح وانقلب مالا تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه ويورث عنه ولهذا لو أقام القاتل البينة على صلح الغائب أو عفوه تقبل بينته ولو لم يكن الحق للميت لما قبلت لما فيه من القضاء على الغائب وإذا كان حق الميت فأقام الواحد مقام الجميع فكانت البينة قائمة على الخصم فلا يكلف اعادتها ولأبي حنيفة ان القصاص حق الميت من وجه وحق الورثة من وجه ولو كان كله حق الورثة يكلف إعادة البينة لان بعض الورثة لا يقوم مقام الكل فيما هو من خالص حقهم ولو كان حق الميت من كل وجه لا يكلف إعادة البينة فلما كان لكل واحد منهما حق كان المصير إلى الاحتياط استعظاما لامر الدم واجبا ولان القصاص معدول به عن سائر الأحكام للاستقصاء (ألا ترى) ان القاتل إذا ادعى العفو وقال لي بينة على ذلك وأجله القاضي أياما ولم يقدر على اقامتها فإنه لا يعجل بالقصاص ويتأنى بعد ذلك أياما هكذا ذكره محمد رحمه الله في الأصل بخلاف سائر الحقوق ولهذا لا يجوز اقرار وكيل القاتل على موكله بالقصاص بخلاف سائر المواضع والاحتياط أن يلحق هذا بالحقوق التي هي للورثة حتى أنه يؤمر بإقامة البينة فربما يعجز عن اقامتها فيسقط القصاص وإنما قلنا إنه يشبه حق الميت لما ذكر وبيان انه يشبه حق الروثة انهم لو عفوا عن الجارح في حياة المورث جاز عفوهم ولو لم يكن لهم حق لا يجوز كما لو أبرأ عن الدين في حياته بخلاف الصلح والعفو لأنه يثبت مع الشبهات والقصاص من وجه كالمورث لان ثبوته للوارث على سبيل الخلافة ومن وجه هو ثابت للوارث ابتداء وما ترد بين أصلين يوفر حظه عليهما ففيما يثبت مع الشبهات يجعله كالموروث وفيما يندرئ بالشبهات نجعله كالواجب لكل واحد منهما ابتداء فلا يكون أحد منهما خصما عن الآخر في إقامة البينة عليه وهذا بخلاف الخطأ فان موجبه المال وهو موروث للورثة عن الميت بعد ما تفرغ عن حاجته فكان بمنزلة سائر الورثة ينتصب كل وارث خصما عن الميت وعن سائر الورثة في اثباته على أن الخطأ ليس مبناه على التغليظ بدليل قبول شهادة النساء مع الرجال
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست