المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٨
بعد العزل كغيره من الرعايا فلا يكون قولا ملزما وان شهد مع آخر لم تقبل شهادته في ذلك لأنه يشهد على فعل نفسه ولا شهادة للانسان فيما يخبر به من فعل نفسه فلا بد من أن يشهد على قضائه شاهدان سواه ليتمكن المولى بعده من امضائه وإذا رفع قضاء القاضي بعد موته أو عزله إلى قاض يرى خلاف رأيه فإن كان مما يختلف فيه الفقهاء أمضاه لاجماع الناس على نفوذ قضاء القاضي في المجتهدات فلو أبطله القاضي الثاني كان هذا منه قضاء بخلاف الاجماع وإن كان القضاء الأول خطأ لا يختلف فيه الفقهاء أبطله لأنه بخلاف الاجماع أو النص (ألا ترى) أن الأول ولو وقف على ذلك من قضاء نفسه أبطله بخلاف ما إذا تحول رأيه في المجتهدات فكذلك يفعله المولى بعد موته ولا ينبغي للقاضي أن يكون فظا غليظا جبارا عنيدا لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضاء بين الناس فينبغي أن يتحرز عن ما هو منتفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لم يجعلني جبارا عنيدا وفي صفته في التوراة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق فصلوات الله عليه ولأن هذه أوصاف مذمومة فعلى القاضي أن يتحرز عنها وهو سبب لنفرة الناس عنه قال الله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب الآية والقاضي مندوب إلى اكتساب ما هو سبب لميل القلوب إليه والاجماع إليه في حوائجهم وينبغي له أن يشتد حتى يستنطق الحق فلا يدع من حق الله تعالى شيئا من غير جبر به وأن يلين حيث ينبغي ذلك في غير ضعف ولا يترك شيئا من الحق لما روينا عن عمر رضي الله عنه قال لا يصلح لهذا الامر الا اللين من غير ضعف القوي من غير عنف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلين في الأمور ويرفق حتى أنهيك شئ من محارم الله فيكون من أشدهم في ذلك وينبغي له أن يتعذر إلى كل من يخاف أن يقع في نفسه عليه شئ إذا قضى عليه وأنى يفسر للخصم ويبين له حتى يعلم أنه قد فهم عند حجته وقضى عليه بعد ما فهم وبذلك تنتفى عنه تهمة الميل وينقطع عنه طمع الخصم والعالة فيه ولأنه يصون بذلك الخصوم عن الفتنة والشكاية منه وهو مندوب إلا أن لا يترك جهده في ذلك وان كأن لا يطمع في أمانته الا نادرا فيتقدم القاضي إلى أعوانه والقوام عليه في ترك الحق والشدة على الناس ويأمرهم بالرفق واللين من غير أن يضعوا فيقصروا عن شئ مما ينبغي لأنهم ينوبون عنه فيما فوض إليهم فكما يفعل ذلك في حق نفسه يأمر به أعوانه ليكون ذلك سبب تأليف القلوب واجتماع الكلمة عليه ولا ينبغي أن يستعمل على القضاء الا الموثوق به في
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»
الفهرست