المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٦
السبب وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول إذا علم قبل أن يستقصى ثم استقصى فشهد عنده رجل وأخذ بذلك قضى به وذلك مروى عن شريح رحمه الله أنه قضى بشهادة رجل واحد وقد كان علم منها علما ولكنا نقول علمه بمعاينة السبب ليس من جنس ما يحصل له من العلم بشهادة الشهود عنده واكمال أحدهما بالاخر لا يمكن والقاضي لا يتمكن من القضاء الا بحجة فالطريق في ذلك أن يشهد مع الرجل الآخر لصاحب الحق عند الامام الذي فوقه حتى يقض هو بذلك وإذا دفع القاضي مال اليتيم إلى تأجر فجحده التاجر فالقاضي مصدق في ذلك على التاجر يقضى عليه بالمال لأنه قاض فيما يفعله في مال اليتيم وفيما يخبر به من القضاء هو مصدق لأنه يخبر بما يملك الانسان وكذلك لو باع مال ميت في دينه فلا عهدة على القاضي في ذلك لان فعله ذلك من القضاء وهو فيما يلحقه من العهدة يكون خصما لا قاضيا وإذا انتفت التهمة عنه كانت العهدة على من وقع عمله لهم فان جحد المشترى منه البيع قاضاه عليه وأخذ منه اليمين لأنه علم أنه كاذب في ذلك فهو الذي باشر السبب وكذلك هو مصدق فيما ذكر أنه قضى به من قصاص أو مال أو طلاق أو عتاق أو غير ذلك من حقوق الناس سواء أقر بذلك عندي أو قامت به بينة ويسمع للذي سمع من القاضي ذلك أن يعتمد قوله حتى في الرجم والنفس وما دونها وما يندرئ بالشبهات وما لا يندرئ بالشبهات في ذلك سواء وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه رجع عن هذا القول وقال في الحدود التي تندرئ بالشبهات لا يسع السامع إقامة ذلك بمجرد قول القاضي ما لم يخبره بذلك غيره لان القاضي غير معصوم عن الكذب فان ذلك درجة الأنبياء صلوات الله عليهم ولا تبلغ درجة القاضي درجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحرمة النفس عظيمة والغلط فيها لا يمكن تداركه فلا يسع الاقدام عليه بمجرد قول القاضي * وجه ظاهر الرواية أن مجرد قول القاضي ملزم (ألا ترى) أن مباشرته القضاء قول ملزم فكذلك اخباره بالقضاء والدليل عليه أنه لا يستقصى في كل بلدة أكثر من واحد فلو كانت الحجة لا تتم بمجرد خبر القاضي به لجرى الرسم بايجاد القاضين في كل بلدة لصيانة الحقوق كما جرى الرسم به في الشهود وفي الاكتفاء بقاض واحد في كل بلدة دليل الاجماع من المسلمين على أن مجرد قول القاضي حجة تامة ولو عزل عن القضاء فخاصمه المقضى عليه في جميع ذلك فقال إنما قضيت به عليك كان مصدقا في ذلك غير مسؤول ببينة ولا مستحلف يمينا لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافى تلك الحالة الخصومة والضمان عنه فيجب
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست