المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٧٦
البائع فأما الهبة لا توجب التسليم إلي الموهوب له فيستقيم أن يجعل الواهب بالتسليم محولا يده إلى الموهوب له وبهذا الطريق للمالك أن يضمن غاصب الغاصب أيضا لأنه حول إلى نفسه يد الغاصب الأول وهي يد مفوتة ليد المالك فتحول إليه بصفته * وأشار في الكتاب إلى حرف آخر فقال (لو دخل دار رجل بغير إذنه فسقط منها حائط لم يضمن ولو ركب دابة فعطبت أو لبس ثوابا فاحترق كان ضامنا) ومعنى هذا أن العقار لو كان يضمن بالاستيلاء لكان يضمن بأول أسبابه وهو الدخول كالمنقول ولكن عذر محمد عن هذا واضح لأن الضمان إنما يجب باثبات اليد بطريق الاستيلاء وذلك بالدخول لا يحصل إنما يحصل بالسكنى ألا ترى ان من ادعى دارا بالميراث فشهد الشهود ان أباه دخل هذه الدار فمات فيها لم يستحق بها شيئا (ولو شهدوا انه مات وهو ساكن هذه الدار استحق القضاء له بها لأنهم يشهدون باليد للأب عند الموت) بخلاف الثوب والدابة فبمجرد الركوب واللبس تثبت يده حتى لو شهدوا ان أباه مات وهو لا بس هذا الثوب أو راكب هذه الدابة استحق القضاء له بها وهذا لان الملبوس تبع للابس والمركوب تبع للراكب فظهر ان الاعتماد على الفصل الأول فإن كان الغاصب للدار باعها وسلمها ثم أقر بذلك وليس لرب الدار بينة فاقراره في حق المشترى باطل لان المشترى صار مالكا بالشراء من حيث الظاهر فلا يقبل قول البائع بعد ذلك في ابطال ملكه ثم لا ضمان على الغاصب للمالك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله لأنه مقر على نفسه بالغصب فان البيع والتسليم غصب والغصب الموجب للضمان عندهما لا يتحقق في العقار. وقد ذكر في كتاب الرجوع من الشهادات انهم إذا شهدوا بدار لإنسان وقضى القاضي ثم رجعوا ضمنوا قيمتها للمشهود عليه فقيل ذلك قول محمد رحمه الله لان تسليطهما الغير على الدار بالشهادة كتسليط الغاصب على الدار بالبيع والتسليم إليه وقيل بل هو قولهم جميعا والفرق بين الفصلين لهما أن هناك اتلاف الملك على المشهود عليه قد حصل بشهادتهما حتى لو أقام البينة علي الملك لنفسه لا تقبل بينته والعقار يضمن بالاتلاف وهنا اتلاف الملك لم يحصل بالبيع والتسليم بل يعجز المالك عن اثبات ملكه بالبينة. ألا ترى أنه لو أقام البينة علي انها ملكه قضي له بها فلهذا لا يكون الغاصب ضامنا ولكن يدخل على هذا جحود الوديعة فان العقار يضمن بالجحود في الوديعة وليس فيه اتلاف الملك حتى لو أقام المالك البينة قضى له بها والأصح أن يقول جحود الوديعة بمنزلة الغصب فلا يكون موجبا للضمان
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست