المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٧٤
وجوب ضمان الغصب يعتمد تفويت يد المالك بالنقل ولكن فيما يتأتى ذلك فيه فأما فيما لا يتأتى يقام غيره مقامه لاثبات الحكم وهو الاستيلاء بأقصى ما يمكنه بالسكنى واخراج المالك عنه كما أن شرط صحة الدعوى والشهادة الإشارة إلى العين في المنقول الذي يمكن احضاره ثم في العقار لم تعذر ذلك يقام ذكر الحدود مقامه وشرط تمام الهبة القبض بعد القسمة فيما يتأتى فيه القسمة ثم فيما لا يحتمل القسمة تقام التخلية مقامه ولهذا سماه استحسانا ولا معنى لقولكم ان فعله في المالك هنا يمنعه من أن يدخل ملكه فيسكن لان ما هو المقصود بتفويت اليد وهو فوت منفعة الملك وثمراته عليه يحصل بهذا ويجوز إقامة فعله في غير المضمون مقام فعله في المضمون في ايجاب الضمان كحافر البئر في الطريق فعله في الأرض دون المار ثم يجعل ذلك قائما مقام فعله في المار الواقع في البئر في ايجاب الضمان عليه فهذا مثله أو أقوى منه * وحجتنا في ذلك الحديث فان النبي صلى الله عليه وسلم بين جزاء غاصب العقار الوعيد في الآخرة ولم يذكر الضمان في الدنيا فذلك دليل على أن المذكور جميع جزائه ولو كان الضمان واجبا لكان الأولى أن يبين الضمان لان الحاجة إليه أمس واطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل علي تحقق الغصب فيه موجبا للضمان لان في لسان الشرع حقيقة ومجازا. ألا ترى أنه أطلق لفظ البيع على الحر بقوله من باع حرا وهذا لا يدل على أن البيع الموجب لحكمه حقيقة يتصور في الحر. وكذلك في عرف اللسان حقيقة ومجاز ألا ترى أنهم يطلقون لفظ السرقة على العقار كما يطلقون لفظ الغصب وقد ورد الشرع بذلك أيضا ثم لا يتحقق في العقار السرقة الموجبة لحكمها على أنا نقول يتحقق أصل الغصب في العقار ولكن الغصب الموجب للضمان لا يتحقق لأنه مما لا ينقل ولا يحول. وبيان هذا أن الضمان إنما يجب جبرانا للفائت من يد المالك ولا يتحقق تفويت اليد عليه بفعل في المال بدون النقل والتحويل لان يد المالك متى كانت ثابتة على ماله في مكان تبقى ما يبقى المال في ذلك المكان حكما إلا أن ينقله إلى غيره بمباشرة سببه ومن حيث الحقيقة الغاصب وان سكن الدار فالمالك متمكن من أن يدخل فيسكن فان منعه فذلك فعل في المالك لا في الملك وفعله في المالك لا يفوت يده عن المال فلا يكون سببا للضمان كما لو حبس المالك حتى تلفت مواشيه ولهذا لا يضمن المنقول بالتخلي به قبل النقل فكذلك العقار وإقامة الشئ الآخر مقام السبب الموجب للحكم طريق فيما يأذن الشرع فيه أن يوجبه
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست