مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ٤٩٤
والسلام أنه قال: لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئا. قال القرطبي: محل النهي أن يقول إن شفى الله مريضي فعلي عتق أو صدقة ونحوه. ووجهه أنه لما وقف فعل القربة على حصول غرض عاجل ظهر أنه لم ير بتمحض نيته التقرب إلى الله تعالى بل سلك سبيل المعاوضة وهذا حال البخيل الذي لا يخرج من ماله إلا بعوض عاجل أكثر منه، ثم ينضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله يفعل له ذلك الغرض لأجل النذر وإليهما الإشارة بقوله: فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئا فالأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صراح. وإذا تقرر هذا، فهل النهي محمول على التحريم أو على الكراهة؟
المعروف من مذاهب العلماء الكراهة.
قلت: والذي يظهر لي التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك، وإذا وقع النذر على هذه الصفة وجب الوفاء به قطعا من غير خلاف. ومما يلحق هذا في الكراهة النذر على وجه التبرم والتحرج، فالأولى لمن يستثقل عبدا لقلة منفعته وكثرة مؤنته فينذر عتقه تخلصا منه وإبعادا له.
وإنما كره ذلك لعدم تمحض نية القربة، والثاني أن يقصد التضييق على نفسه والحمل عليها بأن ينذر كثيرا من الصوم أو الصلاة أو غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والمشقة مع القدرة عليه، أما لو التزم بالنذر ما لا يطيقه لكان محرما. وأما النذر الخارج عما تقدم فما كان منه غير معلق على شئ وكان طاعة جاز الاقدام عليه ولزم الوفاء به، وأما ما كان منه على وجه الشكر فهو مندوب إليه كمن شفي مريضه فذر أن يصوم أو يتصدق انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: ووجوب أداء النذر المعلق على أمر بحضوره واضح. وبحضور بعضه ظاهر الروايات عدمه بخلاف اليمين. وسمع أبو زيد ابن القاسم: من نذر إن رزقه الله
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»
الفهرست