مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٩٩
فلاقتران العمل بالمعصية وفقدان الشرط وهو التقوى قال الله تعالى: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * وأما صحه العبادة في نفسها فلوجود شروطها وأركانها قال: ولا تناقض في ذلك لأن أثر عدم القبول يظهر في سقوط الثواب والعياذ بالله، وأثر الصحة يظهر في سقوط الفرض عنه وإبراء الذمة منه.
قلت: وقد أشار جماعة من العلماء إلى عدم القبول منهم القشيري والغزالي والقرافي والقرطبي والنووي، ونقله الغزالي عن ابن عباس وكفى به حجة، وقال في آخر كلامه: آكل الحرام مطرود محروم لا يوفق لعبادة وإن اتفق له فعل خير فهو مردود عليه غير مقبول منه.
وذكر القرطبي في شرح مسلم أن الصديق رضي الله عنه شرب جرعة من لبن فيه شبهة وهو لا يعلم ثم لما علم استقاءها فأجهده ذلك فقيل له: أكل ذلك في شربة لبن؟ فقال: والله لو لم تخرج إلا بنفسي لأخرجتها سمعت رسول الله (ص) يقول: كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به.
قلت: وإذا كانت الحال هذه فسبيل المرء أن يتقي الله في سره وعلانيته ويحافظ على شروط قبول عبادته. وقد قال بعض العلماء: إن أعمال الجوارح في الطاعات مع إهمال شروطها ضحكة للشيطان لكثرة التعب وعدم النفع، وقد روي: من حج من غير حل فقال لبيك قال الله له لا لبيك ولا سعديك انتهى. وهذا الحديث ذكره ابن جماعة في منسكه الكبير بروايات مختلفة قال: روي عن سيدي رسول الله (ص) أنه قال: إذا حج الرجل بالمال الحرام فقال لبيك اللهم لبيك قال الله تعالى لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك وفي رواية: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك وفي رواية: من خرج يؤم هذا البيت بكسب حرام شخص في غير طاعة الله فإذا بعث راحلته فقال لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك كسبك حرام وراحلتك حرام وثيابك حرام وزادك حرام ارجع مأزورا غير مأجور وأبشر بما يسؤوك، وإذا خرج الرجل حاجا بمال حلال وبعث راحلته قال لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك أجبت بما تحب، راحلتك حلال وثيابك حلال وزادك حلال ارجع مبرورا غير مأزور واستأنف العمل أخرج هذه الرواية الأخيرة أبو ذر.
وعن النبي (ص) أنه قال: ردد أنق من حرام يعدل عند الله سبعين حجة وأنشدوا:
إذا حججت بمال أصله سحت * فما حججت ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل طيبة * ما كل من حج بيت الله مبرور
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»
الفهرست