مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٩٨
في ترتب الثواب وأثر الصحة في سقوط الطلب والله أعلم. وقوله: الحرام يشمل جميع أنواعه الغصب والتعدي والسرقة والنهب وغير ذلك. وإنما قال: صح ولم يقل سقط ليشمل كلامه النفل والفرض، فإن الحكم بالصحة يشملهما والسقوط خاص بالفرض وجاز اجتماع الصحة والعصيان لانفكاك الجهة لأن الحج أفعال بدنية وإنما يطلب المال ليتوصل به إليه فإذا فعله لم يقدح فيه ما تقدم من التوصل إليه كمن خرج مغررا بنفسه راكبا للمخاوف وحج فإنه يجزئه. وهذا قول مالك وهو مذهب الجمهور. وقال ابن حنبل: لا يجزئه لأنه سبب غير مشروع وهو جار على أصله في الصلاة في الدار المغصوبة. وذكر ابن فرحون في منسكه رواية عن مالك بعدم الاجزاء كقول الإمام أحمد وسيأتي كلامه.
ونقل سيدي الشيخ أحمد زروق في شرح هذا المحل من المختصر عن ابن العربي رواية ببطلان الصلاة في ذلك كمذهب الإمام أحمد، وظاهر كلامه أن الرواية المذكورة في المذهب.
وقال التادلي بعد أن ذكر كلام سند المتقدم عن القرافي في شرح الرسالة لعبد الصادق ونقله من كتاب جمل من أصول العلم لابن رشد قال: وسألته عمن حج بمال حرام، أترى أن ذلك مجزئ ويغرم المال لأصحابه؟ قال: أما في مذهبنا فلا يجزئه ذلك، وأما في قول الشافعي فذلك جائز ويرد المال ويطيب له حجه. وقول الشافعي هذا أقرب إلى مذهب مالك بن أنس انتهى. ونقله ابن فرحون في مناسكه وقال: قلت: ورأيت في بعض الكتب ولم يحضرني الآن عن مالك عدم الاجزاء وأنه وقف في المسجد الحرام ونادى: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس من حج بمال حرام فليس له حج. أو كلام هذا معناه انتهى.
فظاهر هذه الرواية عدم الاجزاء كقول الإمام أحمد وحملها على عدم القبول بعيد. وفي مناسك ابن معلى قال العلماء: يجب على مريد الحج أن يحرص أن تكون نفقته حلالا لا شبهة فيها لقوله تعالى: * (وتزودوا) * الآية وقوله: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * ولقوله عليه السلام: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب الحديث المشهور في مسلم. قال القرطبي في شرح هذا الحديث: قوله (ص): يطيل السفر أشعث أغبر يفيد أنه سفر الحج لأن الصفتين المذكورتين غالبا لا يكونان إلا فيه. قالوا: فلو حج بمال حرام فحجه صحيح عند مالك والشافعي وأبي حنيفة. وقال ابن حنبل: لا يجزئه وحجه باطل.
تنبيه: قال بعض الفضلاء: المنفق من غير حل في حجه جدير بعدم القبول وإن سقط الفرض كما قاله الأئمة الثلاثة. قال بعض المحققين من العلماء المتقدمين: أما عدم القبول
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»
الفهرست