مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٦١
وبذلك فسرته عائشة رضي الله عنها لما بلغها ما حدث به أبو هريرة وقالت: رحم الله أبا هريرة أساء سمعا فأساء إجابة. وقد سئل ابن عمر عن ذلك فقال: بل هو خير الثلاثة قد أعتقه عمر ولو كان خبيثا ما فعل وهو كما قال، لأنه لا يؤخذ بما اقترفه أبواه. وقد قيل في معناه: إنه حدث عن شر الثلاثة أبواه والشيطان لا أنه في نفسه شر، والأول أولى لأنه مروي عن عائشة.
وأما الحديث الثاني فالمعنى في ذلك من كثر منه الزنا حتى نسب إليه كما ينسب إلى الشئ من كثر منه حتى يقال للمتحققين بالدنيا العاملين لها أبناء الدنيا، ولمن أكثر من السفر ابن السبيل، وعلى هذا يحمل الحديث الثالث انتهى مختصرا.
تنبيهات: الأول: لفظ الرواية يقتضي أنه يجوز الحج بثمن ولد الزنا لا أنه يجب. وهذا إذا كان معه غيره، وأما إذا لم يكن معه إلا ذلك وجب عليه أن يحج به كما اقتضاه كلام المصنف وهو الظاهر. وقال البساطي: لو ترك يعني المصنف خشونة هذا اللفظ في مثل الحج لكان أحسن اه‍. والظاهر أن ما قاله المؤلف هو الأحسن والله أعلم.
الثاني: قول ابن رشد وإن كان الاستحباب عنده غير ذلك يحتمل أن يكون راجعا إلى عتقه وإلى الحج بثمنه ولا مانع من ذلك، ولكنه يحمل على من يملك غيره كما ذكرنا ولم أر من ذكر ذلك في الحج غيره، ويحتمل أن يكون راجعا إلى عتقه لأنه الذي يليه فتأمله.
الثالث: قول ابن رشد أيضا وإنما منع ذلك من منعه يقتضي أن بعض العلماء منع من عتقه ونحوه للقاضي عبد الوهاب، وليس هذا القول في المذهب بل ولا هو المعتمد من غيره.
قال ابن رشد في أواخر سماع أشهب من كتاب العتق: وأما ولد الزنا فعتقه جائز في الكفارة بإجماع من مالك وأصحابه. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: هو قولنا وقول فقهاء الأمصار، وحكى عن قوم منع ذلك انتهى.
الرابع: حديث ولد الزنا ناشر الثلاثة رواه أبو داود وتأوله الخطابي بما ذكر ابن رشد عن عائشة رضي الله عنها. وقال عبد الوهاب: إن المراد به أن أبويه كل منهما ينسب إلى أبوين وهو لا ينسب إلى أب. وقيل في تأويله: إنه شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه، وقال السهيلي:
والمراد أنه إذا أعلمته أمه أنه ولد زنا أو علم ذلك بقرينة حال وجب عليه أن يكف عن الميراث من نسب أبيه ولا يطلع على عوراتهم وإلا كان شر الثلاثة. قال: وقد تأول الحديث على وجوه هذا أقربها إلى الصواب. وفي آخر كتاب الزنا من النوادر عن ابن مسعود: إنما قيل شرهم في الدنيا ولو كان شرهم عند الله ما انتظر بأمه أن تضع. وقال عمر: أكرموا ولد الزنا وأحسنوا إليه. وقال أيضا: أعتقوا أولاد الزنا وأحسنوا إليهم واستوصوا بهم. وقال ابن عباس: وهو عبد من عبيد الله إن أحسن جوزي وإن أساء عوقب. وقال الشعبي: ولد الزنا خير الثلاثة إذا اتقى الله فقيل له: إنه قيل إنه شر الثلاثة؟ قال: هذا شئ قاله كعب لو كان شر الثلاثة لم ينتظر بأمه
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»
الفهرست