مدافع الفقهاء ، التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف - صالح الورداني - الصفحة ١٠١
حمل ابن القيم راية الحنابلة من بعد وفاة أستاذه ابن تيمية وأطلق مدافعه على الخصوم وسار على سنة أستاذه إلا أنه لم يصمد طويلا وسلك سبيل التأليف بعيد عن الصدام والمواجهة بعدما نال من الاضطهاد والمحن على يد الفقهاء من أصحاب المذاهب الأخرى وحلفائهم من حكام المماليك.. (1) وقام ابن القيم بتطوير مدفع إمامه ابن حنبل المسمى (الرد على الجهمية والزنادقة) وأعده وجهزه ليواجه أهل زمانه من المسلمين المخالفين أو الزنادقة المارقين وأسماه (اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية) وسلك ابن القيم نفس سبل إمامه ابن حنبل وأستاذه ابن تيمية في مواجهة المعارضين معتمدا على الروايات وأقوال سلفة وشعاراتهم التي رفعوها وبدا وكأنه صورة طبق الأصل من ابن حنبل وابن تيمية..
ثم تجاوز ابن القيم هذا الدور واجتهد في تصنيف المخالفين وإصدار الأحكام فيهم..
يقول ابن القيم: وأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول - كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم - فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفو غفورا..
القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وأن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته..
القسم الثالث: أن يسأل فيطلب ويتبين له الهدى، ويتركه تقليدا أو تعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقا، وتكفيره، محل اجتهاد وتفصيل، فإن
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست