دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٩٣
وذكر الأبي عن القرطبي: أن هذا الكلام أبرزته الغيرة والدلال وإلا فإضافة الهوى لرسول الله مباعد لما يجب على الخلق من تعظيمه وتوقيره فإنه (ص) منزه عن الهوى ولو أبدلت بالرضا كان أولى (1)..
ويبدو من خلال كلام نووي والقرطبي أنهما يشعران بمدى ما يشكله قول عائشة في حق الرسول من حرج شرعي لها. فمن ثم هما سلكا نهج التأويل لكلامها والتبرير لسلوكها وهو النهج الذي تقوم على أساسها عقيدة أهل السنة.
وهما بذلك قد التزما بإجماع الفقهاء تجاه روايات عائشة عن الحياة الخاصة للرسول على أن هذه الروايات بما تحمل من مواقف وسلوكيات إنما تحمل على الغيرة لا على أي شئ آخر..
إلا أن العقل يصطدم بمثل هذه التأويلات والتبريرات التي لا تخرج عن كونها مجرد محاولة للتغطية على هذه الروايات. والتغطية على عائشة في نفس الوقت. فإن النظر إلى مثل هذه الروايات بمنظور عصمة الرسول وخلقه العظيم ودوره الرسالي العالمي يبددها ويحكم ببطلانها. أما النظر إليها بالمنظور المشوه لشخص الرسول الذي ابتدعه الفقهاء فإنه يؤدي إلى تثبيتها وتبريرها كما هو الحال مع قول عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.. فإن مثل هذا القول يشير إلى خلل في عقيدة عائشة وفي خلقها وأدبها مع الرسول. فكلمه: ما أرى ربك فيه دلالة على عدم الرضا بحكم الله وكان رب الرسول غير ربها. وهذا الموقف منها يتشابه مع موقفها السابق مع الرسول والذي فرقت فيه بين رب إبراهيم ورب محمد.
وكأنها تقول إن الوحي مسخر لهوى الرسول. وهو قول لا يصح في حق النبي من زوجته التي من المفروض أن تكون على قدر عال من الضبط والربط والخلق والوعي بدوره ورسالته..
ومن خلال هذا الكم من الروايات التي عرضناها عن علاقة عائشة بالرسول تلك الروايات التي تلقي الضوء على تاريخها مع الرسول يمكن أن يتحدد بوضوح ما إذا كان لعائشة دور في واقع الدعوة أم لا..؟

(1) المرجع السابق..
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست