دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٢٨٤
وفي رواية أخرى: " أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر " (1)..
قال الفقهاء: ذكر النووي أن العلماء اختلفوا في تأويل هذا الحديث. فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا على أنه نفي قدرة الله فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر وقد قال في آخر الحديث أنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالى. والكافر لا يخشى الله تعالى ولا يغفر. فيكون له تأويلان أحدهما أن معناه لئن قدر علي الذاب. أي قضاه. يقال منه (قدر وقدر) بمعنى واحد. والثاني أن (قدر) هذا بمعنى ضيق علي. قال تعالى: (فقدر عليه رزقه). وهو أحد الأقوال في قوله تعالى (فظن أن لن نقدر عليه) وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره ولكن قاله الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها. بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع بحيث ذهب تيقظه. وتدبر ما يقوله فصار في معنى الغافل والناس وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها (2)..
إن ظاهر هذه الرواية يفيد الكفر فصاحب الرواية الذي أسرف في حق نفسه وارتكب من الموبقات ما جعله ييأس من حصوله على مغفرة الله وعفوه. سعى للتحايل على الله سبحانه كمحاولة للهروب من العذاب الذي ينتظره في الآخرة بأن يوصي بحرق جثمانه وذره في الهواء والبحر ظنا منه أن ذلك يخرجه من محيط القدرة الإلهية. وهذا الفعل في ذاته صورة من صور الكفر والضلال إذ يحوي استهانة بقدرة الخالق وإحاطته بالكون الذي هو من مخلوقاته. والفقهاء لم يعنيهم هذا الأمر وإنما كان يعنيهم هو تبرير موقف صاحب هذا الفعل المنكر وتبرئة ساحته.
لا يعنيهم أن تبرير مثل هذا الفعل يعني نسبة التسامح إلى الله سبحانه في قضايا الكفر بينما يعاقب كفار آخرين لنفس الفعل أو نفس الاعتقاد وهو الشك في قدرة الله وهو ما يقود في النهاية إلى نسبة الظلم إلى الله..

(1) المرجع السابق.. مسلم..
(2) هامش اللؤلؤ والمرجان ح‍ 3 / 241 كتاب التوبة. وانظر شرح النووي. وفتح الباري كتاب الرقاق..
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست