دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٢٨٣
وكلام النووي هذا يؤكد فكرة الجبرية أي أن الإنسان مسير لا مخيل في فعل الشر. وقد قاله سيرا مع نص الرواية التي يشير ظاهرا إلى ذلك أيضا..
ونص الرواية وكلام النووي كلاهما ينسبان الظلم إلى الله سبحانه. إذ كيف يكتب الزنا على عباده ثم يعاقبهم على فعله..؟
ولما كان نسبة الظلم إلى الله تعالى أمر مناف للعقل فهذا يقودنا بالتالي إلى رفض هذه الرواية والحكم ببطلانها وهو الخيار الوحيد إمامنا.
ويروى عن الرسول (ص) قوله: " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار. وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة " (1)..
وهذه الرواية يفيد ظاهرها الشك في جدوى العمل الصالح إذ أن من الممكن أن ينتهي بسوء العاقبة في الوقت الذي من الممكن فيه أن ينتهي العمل الفاسد بخير العاقبة وهو ما يقود في النهاية إلى نفس النتيجة التي نحن بصددها وهي نسبة الظلم إلى الله سبحانه الذي قدر للرجل الصالح أن يختم عمله بما يقوده إلى النار. وقدر للرجل الفاسد أن يختم عمله بما يقوده إلى الجنة وهو تصور يتناقض مع عدل الله.
ونتيجة هذا التصور هو الشك في جدوى العمل الصالح وفي عدل الله تعالى..
وهل يعقل لمن يعمل العمل الصالح طوال حياته أن يأتي في آخرها فينقلب باختياره ليصبح من أهل النار؟
ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: " قال رجل لم يعمل خيرا قط. فإذا مات فحرقوه. واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبنه أحد من العالمين. فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم. فغفر له " (2)..

(1) مسلم كتاب القدر..
(2) مسلم كتاب التوبة. والبخاري كتاب التوحيد..
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»
الفهرست