الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ٣٧
إن الإسلام كما فهمه نفر كبير منهم، هو أن يرفع الله به أقواما ويحط به آخرين. فالقبلية كانت هي الأساس الذي يقوم عليه شأنهم ويتشكل منه وجدانهم. ويذكر المسعودي إن أبا بكر قد بلغه في أيام حكمه عن أبي سفيان، أمر، فأحضره وأقبل يصيح عليه، وأبو سفيان يتملقه ويتذلل له، وأقبل أبو قحافة فسمع صياح أبي بكر، فقال لقائده: على من يصيح ابني؟ فقال له: على أبي سفيان، فدنا من أبي بكر وقال له: أعلى أبي سفيان ترفع صوتك يا عتيق؟ وقد كان بالأمس سيد قريش في الجاهلية. لقد تعديت طورك وجزت مقدارك، فتبسم أبو بكر ومن حضره من المهاجرين والأنصار، وقال له: يا أبت، إن الله قد رفع بالإسلام قوما وأذل به آخرين.
وذكر بن عساكر في تهذيبه، إن عمر بن الخطاب قدم مكة، فقالوا له: إن أبا سفيان ابتنى دارا، فألقى الحجارة فحمل علينا السيل، فانطلق معهم عمر، وحمل الحجارة على كتف أبي سفيان، فرفع عمر يده وقال: الحمد لله الذي آمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعني.
أما موقف هؤلاء من بني هاشم الذين كانوا حطب النار في كل صراعات المجد. فقد كرهوا لها الخلافة فيما بعد: حق لا يجتمع لها فضل النبوة والخلافة.
فعندما قال البعض لعمر: " فما يمنعك منه؟ قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا، وفي رواية لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة " (37).
ولقد أدرك بعضهم خلفية تيار الاغتصاب، وواجههم بنفس المنطق. فهذا سعد بن عبادة الخزرجي يرفض بيعة أبي بكر، وتحصل بينه وعمر مشادات كلامية، ويقول له: " لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع ".
وأما أبو سفيان الذي أدرك أن أبا بكر وعمر بن الخطاب ما فعلا ذلك إلا طلبا للرفعة: " ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، والله لئن شئت لأملأنها خيلا ورجالا " (38).

(37) شرح النهج ابن أبي الحديد / الإمامة والسياسة ابن قتيبة.
(38) الطبري / التاريخ ص 449 ج 2 طبعة 1358 ه‍ 1939 م مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235