الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٥٠٥
كان هؤلاء المسيحيون يؤلفون جماعة نشيطة كثيرة التقوى، ولكنها كانت لا تزال عرضة لأخطار الفساد المنتشر بين الناس حولهم: إباحية جنسية (6 / 12 - 20) وشقاق وخلافات ومخاصمات داخلية (1 / 11 - 12) وإغراء الحكمة الفلسفية من أصل وثني، وكانت تتسلل إلى الكنيسة، مطلية بمسحة مسيحية سطحية (1 / 19 - 20)، فتفسد دعائم اليقين في الإيمان الجديد (الفصل 15)، وما للأديان الغيبية من فتنة، فيخشى أن تدخل مظاهرها وما يصحبها من الاضطراب في الاجتماعات المسيحية (14 / 26 - 38). كان الغرس المسيحي سليما قويا، ولكن جذوره نازلة في تربة لا تجانسه، فكانت تلك الحالة غير سوية. وكان الروح القدس يوسع عليها عونه موزعا هباته الفائقة (12 - 14). وكان بولس يحاول في رسائله تبديل تلك الحالة فيمد تلك النبتة الناشئة بما يعوزها من التربة المسيحية.
في ذلك تكمن فائدة هذه الرسالة، فهي تظهر لنا وتكاد أن تصف وصفا حيا المسائل التي تنشأ لدى دخول الإيمان المسيحي في ثقافة وثنية، والوسائل التي استعملها بولس لحل تلك المسائل.
[الأحوال التي دعت إلى كتابة الرسالة] نعرض هنا عرضا موجزا سلسلة الأحداث التي وقعت بين تبشير بولس الأول في قورنتس وكتابة هذه الرسالة. ظل بولس، بعد مغادرته المدينة، متصلا بالجماعة التي أنشأها. نعرف من 5 / 9 - 13 أن رسالته الأولى إلى أهل قورنتس تقدمتها رسالة كثيرا ما قيل لها الرسالة قبل الرسالتين القانونيتين، ولم تحفظ لنا من الضياع. بحث بولس فيها عدة موضوعات أحدها علاقات المسيحيين " بالزناة "، ومن الراجح أن تلك الرسالة، التي رأى بعض المفسرين أن جزءا منها ورد في 2 قور 6 / 14 - 17)، كتبت على أثر بطاقة بعث بها أهل قورنتس وعرضوا فيها مسألة، فأجاب عنها بولس. ونعرف مما روي في سفر أعمال الرسل (18 / 24 - 28) أن جماعة قورنتس استقبلت مبشرا مسيحيا عظيم الشأن اسمه ابلس، كان يهوديا فتقبل الإيمان الجديد، ثم هداه أقيلا وبرسقلة على وجه تام في افسس، فلما ذهب منها إلى قورنتس زودته الجماعة برسالة توصية. وأوضح في سفر أعمال الرسل أن ابلس كان فصيح اللسان متبحرا في الكتب، فساعد الجماعة في قورنتس مساعدة كبيرة، ولا سيما في الجدل بينها وبين اليهود. ومن الراجح أنه كان يفوق في الفصاحة كثيرا بولس الذي كان يؤخذ عليه قلة ما عنده منها (2 قور 10 / 10). فلا عجب أن نشأ حزب يدعي الانتماء إليه، ويعلن نفسه مناهضا لفئة المؤمنين الذين يزعمون أنهم تلاميذ بولس (1 / 12). لا شك أن ابلس لم يشجع نشوء هذه الفرقة، فقد أقام في قورنتس وقتا قليلا. ولما كتب بولس رسالته الأولى إلى أهل قورنتس، كان ابلس عنده في أفسس، وقد رفض العودة، مع أن بولس حثه على الأمر كثيرا. ولا شك أنه فعل ذلك لئلا يبدو أنه يوافق على الحزب الذي يدعي الانتماء إليه (16 / 12)، وكان يخالف حزب ابلس حزب بولس وحزب صخر وحزب المسيح (1 / 12). يرجح أنه كان يؤلف حزب بولس مسيحيون معجبون به، وكان تعلقهم به يتخذ طابع التحزب والتشيع. وتألف الحزب الثاني لما مر بقورنتس مسيحيون يدعون أن لهم علاقة خاصة بالرسول بطرس (فصخر ترجمة اسمه العبري). ولربما جاء بطرس بنفسه
(٥٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة