الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٢٦
(7) أما الأنبياء الذين هدى الله الناس بهم فكثيرون، فهم آدم وشيث وغيرهما، ثم جاء إبراهيم الخليل وكان في بادية سوريا أو بين النهرين، وظهر بعده كثير من الأنبياء، ثم ظهر موسى في مصر، وهرب بقومه منها، وأقام بهم بين مصر وسوريا في التيه أربعين عاما على التوالي، ثم تولى قيادة اليهود يشوع بن نون فسار إلى بيت المقدس وحارب الكنعانيين وغيرهم، وهكذا نشأت مملكة إسرائيل التي نمت على عهد داود وسليمان!
والذي كان يمتاز به اليهود عن غيرهم هو معرفة الإله الواحد وعبادته المجردة عن الشرك والكفر والطغيان، إلا أن شريعتهم كانت صارمة تجعل الخاضع لها عبدا مأسورا في كل حركاته وسكناته في لباسه ومأكله وعمله، على أنهم كانوا لا يسعون لتعميم دينهم، راغبين في حفظ عصبيتهم رافضين أن يدخل بيتهم دخيل، فكان الأجنبي عنهم بمنزلة الحيوان الأعجم، يحتقرونه حتى ولو تدين بدينهم، وكانوا لا يعترفون بمساواتهم إلا لأحفاده، وكان احتقارهم لغيرهم وميلهم الغريزي إلى الاستئثار بالمنافع، هو الذي نفر الناس منهم وبغضهم فيهم، فكان المجاورون لهم يسلبونهم أموالهم ويسبون أعراضهم ويخضعونهم لأحكامهم، فسباهم البابليون واستولى عليهم الإسكندر المقدوني واحتلهم هيرودوس الروماني!
وهذا على حفظ الحاخامات الدين في صدورهم لا يبوحون به إلا لمن انضم إلى زمرتهم، وجعلهم الدين وسيلة للسيطرة على عقول الشعب والانتفاع بما في أيديهم (1).

(1) ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى فلاسفة اليونان، الذين كانوا يجلسون على قارعة الطريق ويعرضون فلسفتهم على العامة! ولما نهضت المملكة الرومانية نهضتها الأخيرة، جعل علماؤها وفلاسفتها ينشرون علموهم وآدابهم للجميع، وكذلك كان كهنة المصريين على جانب عظيم من الحكمة والمعرفة، ولكنهم جعلوا فلسفتهم ككل معارفهم، سرا دينيا لا يجوز أن يباح للعامة، حفظا لكرامة رجال الكهنوت أو توصلا لاستعباد الناس والسطو على ما في أيديهم! راجع ص 34 وص 42 من خواطر في الإسلام ج 1 للمرحوم عطا بك حسني.
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»