أبناء الرسول في كربلاء - خالد محمد خالد - الصفحة ١٤٩
إذن هي شرف الإنسان وشرف الحياة.
وما دامت التضحية شرفا، فيجب أن يصرف النظر عن الشكل الذي يفرضه عليه الاضطهاد والبغي. فالتضحية ليست حفلا ساهرا.. وسواء على البطل أن يستشهد وجسده سليم.. أو يقضى، وجسده ممزق.. أن يبقى رأسه مكانه من الجسد، أو يفصل الرأس ويمثل بالجسد!!
كل ذلك، وأكثر من ذلك يغطيه شرف التضحية، ويحول أساه إلى مجد... وفواجعه إلى بطولات!!
ومن شاء فلينظر، فهؤلاء نفر من أكرم الخلق، وأتقى الناس، تمزق أجسادهم بسيوف الباغين، ثم تحتز رؤوسهم - اثنان وسبعون رأسا - وتغرس في أسنة الرماح..!!
فهل انتقص ذلك مثقال ذرة من شرف التضحية وعظمتها.؟
أبدا.. بل زادها تألقا وشرفا..
إن الأجساد بمجرد إلقائها النفس الأخير يزايلها الإحسان بالألم.. ثم تنال الأرواح مكانها العالي عند الله بقدر بلائها وتضحياتها، كما تنال مكانها العالي في ضمير التاريخ بقدر بذلها وعطائها.
ومن ثم فالناس يخطئون عندما يقفون أمام شكل التضحية وما يصاحبها من ألم وفاجعة، ثم لا يجاوزون هذا الشكل إلى جوهر التضحية، حيث العظمة والجلال..!!
ولقد أدرك هذه الحقيقة، وعبر عنها في أصالة عظيمة، بطل الإسلام (خالد بن الوليد) حين تمثل مأساة حياته في موته على فراشه، محروما من شرف القتل على أرض المعارك والنضال. فقال قولته المأثورة:
(لقد شهدت كذا، وكذا زحفا.. وما في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم.. ثم ها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء)..!!
* * *
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست