مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٤ - الصفحة ٢٤٤
وأين الباغي الحقير من أهل الكساء وآية التطهير؟!
وهكذا تراهم قد أساؤوا أبلغ الإساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لأن صنيعهم هذا يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجع أمته إلى من ضيعوا سنته ولم يحفظوا منها إلا القليل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع!!
وبهذا يتأكد لكل منصف بأن ما يسمى بعصر الانفتاح عند العامة بعد عهد عمر بن عبد العزيز عاد انغلاقا، وصار رفع الحظر على التدوين قيدا جديدا على تدوين الحديث، حتى انفرط بذلك عقده، وضاعت عليهم جواهره، بعد هجرهم الأمين الحريص عليه وترك أخباره، وتكذيب أنصاره، وطمس آثاره.
وهذا هو الواقع المر الذي مارسه مدونوا تلك الفترة - وقد أشرنا لليسير الدال عليه - وكان من نتائج تدوينهم العليل - زيادة على ما مر - أن تورمت دواوينهم الحديثية بكل غث وهزيل، وابتليت بكمه الهائل أجيال من الأمة، ولا زالت النفوس المريضة والعقول المتحجرة - على ما يقوله أحد قادة الفكر الأحرار من علماء الحديث عند العامة - ترزح تحت وطأته وهي تحسبه أصح من الصحيح مع أن فيه من الأضغاث الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان ما يحير الألباب ويدهش العقول (1).
ولعل السبب المعقول وراء بقاء ذلك الموقف الشاذ من السنة الشريفة على الرغم من سلبيته وأخطاره، هو اختلاف المسلمين في تفسير أحداث السقيفة، لأنهم بين مناصر لها ومخطط لنتائجها، وهم من ظهر الحظر على

(1) وهذا الكلام هو ما صرح به الأستاذ محمود أبو رية المصري في جميع كتبه ومقالاته، لا سيما كتابه الشهير عن أبي هريرة المعروف ب‍: شيخ المضيرة، فراجع.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست