مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٤ - الصفحة ٢٤٨
قرون (1).
فالشيخ إذا لم يتعامل مع تراث حديثي مفصول عن معينه، أو غض طري لا تعرف أصوله ودواوينه، بل مع مدونات حديثية بلغت في الكثرة إلى زمان الإمام العسكري (عليه السلام) (ت 260 ه‍) أكثر من ستة آلاف وستمائة كتاب في ما أحصاها الشيخ الحر العاملي (2)، وكان من جملتها الأصول الأربعمائة المشهورة - عند الشيخ يوم ذاك - شهرة كتبه الكثيرة في زماننا، وقد أورد الشيخ نفسه الكثير من أسمائها وأسماء مؤلفيها في كتابه الفهرست.
ولضخامة ذلك التراث، وطول امتداد عصر النص عند الإمامية، وما رافق ذلك الامتداد من ظروف قاسية أوجبت على أهل البيت (عليهم السلام) الحفاظ على قيم الإسلام ومبادئه ببقاء مهجهم الشريفة، مع اختلاف رواة الحديث إليهم، وتباين الرواة في عقائدهم وأفكارهم، وتعدد مذاهبهم وفرقهم، وتفاوت ضبطهم ووثاقتهم، ووجود المغرضين والمنافقين والكذابين بينهم، كانت مهمة من سبق الشيخ إلى تصفية ذلك التراث وتنقيته شاقة وعسيرة، اضطلع بها جيل من الفقهاء وعلماء الرجال، حتى وصل الأمر إلى ثقة الإسلام الكليني، والشيخ الصدوق من بعده وكلاهما من الفقهاء والمحدثين وعلماء الرجال، وكذلك نظرائهم من القميين كالمحدث والفقيه الرجالي، الشديد في التضعيف والتوثيق، الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد القمي.

(١) راجع: بحثنا المنشور في تراثنا العددان ٤٧ - ٤٨ السنة الثانية عشرة / رجب - ذو الحجة ١٤١٧ ه‍، بعنوان: " تاريخ الحديث وعلومه "، فقد أوردنا فيه مراحل تدوين الحديث عند الشيعة الإمامية، ابتداء من عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانتهاء بعصر الشيخ الطوسي (قدس سره).
(٢) كما في خاتمة وسائل الشيعة ٣٠ / 165، الفائدة الرابعة من الخاتمة.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»
الفهرست