مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٨ - الصفحة ٤٠١
وأما خامسا: فلأنا نمنع كون (الأرجل) مظنة لإسراف الغسل فيها، وكونهما قريبين من الأرض - كما قد علل بعضهم (1) - لا يوجب السرف (2).
ولو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه (3)، مع أن المسح على ظاهرهما وفاقا منهم (4)

(١) كالسخاوي في جمال القراء ٢ / ٤١، ومن المتأخرين عن عصر المصنف (قدس سره) محمد بن يوسف أطفيش الأباضي في تيسير التفسير ٣ / ٣٣.
(٢) السرف والإسراف لغة: تجاوز القصد، وقد سبق تعريف الاسراف في ص ٣٧٦ هامش رقم ٢.
(٣) هذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره.
أنظر: سنن أبي داود ١ / ٤٢ ح ١٦٢، وسنن البيهقي ١ / ٢٩٢، وسنن الدارقطني ١ / ١٩٩ ح ٢٣، والمحلى ٢ / ١١١، ونصب الراية ١ / ١٨١.
وفي كتاب الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني - تلميذ أبي حنيفة - ١ / ٣٥ نسبه إلى عمر بن الخطاب، وأورد عن الحسن البصري، وابن شهاب الزهري مثله. كما أورد ابن حزم في المحلى ٢ / ٥٦ مسألة ٢٠٠ عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، قوله: كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح ظاهرهما، وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار ١ / ٣٥ في باب فرض الرجلين في وضوء الصلاة، عن عبد خير، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، إنه توضأ ومسح على ظهر القدم، وقال: لولا أني رأيت رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) فعله، لكان باطن القدم أحق من ظاهره.
(٤) ذهب جمهور العامة إلى جواز المسح على الخفين لما رواه سعد بن أبي وقاص، من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسح على الخفين، كما في صحيح البخاري ١ / ٦٢، ومسند أحمد ١ / ١٥، وسنن البيهقي ١ / ٢٦٩ وغيرها.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وداود: إن المسح يكون على ظاهر الخف، ولا مدخل لأسفله فيه، كما في المبسوط للسرخسي ١ / ١٠١، واللباب ١ / ٣٧، والمغني ١ / ٣٣٥، والمجموع ١ / ٥٢١، وبداية المجتهد ١ / ١٩، والجامع لأحكام القرآن ٦ / ١٠٣، والمحلى ٢ / ١١١.
وقال الشافعي: يستحب مسح أعلى الخف وأسفله، وبه قال عبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، وابن المبارك، وإسحاق، كما في بداية المجتهد ١ / ١٩، والمجموع ١ / ٥١٨ و ٥٢١، وفتح العزيز ٢ / ٣٩٢، ومغني المحتاج ١ / ٦٧، والمغني ١ / ٣٣٥، والمحلى ٢ / ١١٣، واحتجوا لذلك بما رواه المغيرة من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسح أعلى الخف وأسفله كما في سنن أبي داود ١ / ٤ ح ٢٥١، وسنن البيهقي ١ / ٢٩٠.
هذا، وقد تواتر عن أئمة أهل البيت (عيلهم السلام) المنع عن المسح على الخفين، وأنه باطل، بل منعوا (عليهم السلام) من الائتمام بمن يمسح على خفيه لأنه يصلي بدون طهارة.
وبالجملة، فإن المسح على الخفين يعد من أكبر العيوب التي ألصقت في الفقه الإسلامي لمخالفة هذا المسح للذوق السليم فضلا عن الشرع الحنيف وجماله، ولهذا نجد من تنبه إلى ذلك - من غير الشيعة الإمامية - فرفضة، منهم: أبو بكر بن داود، والخوارج كما في حلية العلماء - للقفال - ١ / ١٥٩.
كما أنكر المسح على الخفين مالك بن أنس في إحدى الروايتين عنه، أورد ذلك الرازي في تفسيره الكبير ١١ / ١٦٣، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٩٣، وقال: المسح على الخفين إن كان، فهو منسوخ بسورة المائدة.
وقد أثر عن بعض الصحابة إنكار المسح على الخفين جملة وتفصيلا، فعن عائشة: لأن تقطع قدماي، أحب إلي من أن أمسح على الخفين.
وعن ابن عباس: لأن أمسح على جلد حمار، أحب إلي من أن أمسح على الخفين، كما أنكره أبو هريرة. نص على ذلك الرازي في تفسيره، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، كل في الموضع المشار إليه آنفا.
والظاهر، توهم القائلين بالمسح على الخفين، بوضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الشيخ الصدوق في الفقيه ١ / 30 ذيل الحديث 97، وعنه في الوسائل 1 / 461 ح 1221 باب 38 من أبواب الوضوء: ولم يعرف للنبي (صلى الله عليه وآله) خف، إلا خفا أهداه له النجاشي، وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا، فمسخ النبي (صلى الله عليه وآله) على رجليه، وعليه خفاه.
فقال الناس: إنه مسح على خفيه...
هذا، ومن أغرب الأقوال وأبعدها عن الحق في مسألة الوضوء، هو القول بجواز المسح على الخفين، وحرمة المسح على ظاهر القدمين، مع أن قياسهم - لو صح - يقتضي العكس.
وسوف يأتي ما له صلة بمسألة المسح على الخفين في ص 423 مع هامش رفم 3 من الصفحة المذكورة، وكذلك في ص 458 وهامش رقم 6 من الصفحة المذكورة، فلاحظ.
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست