مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٣ - الصفحة ٢٧٢
دائما مقدمة على نصوص الشريعة! وتقدم قولنا أن أبا الحسن الكرخي إنما كان يحكي عن لسان حال المذهبية حين قال: (الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ، أو الترجيح، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق، وكذا الحال مع الحديث)! (235).
وإذا قدرنا أن كل مذهب من المذاهب الإسلامية المتعددة سوف يفعل مثل هذا إزاء كل نص يصطدم مع مقولاته، فسوف نقترب من إدراك مدى الانحرافات الطارئة على مسار الإسلام فكرا وعقيدة!
لقد كان حريا بهم أن يوفقوا بين تلك النصوص وبين الثابت من أحوال صاحب النصوص وحقائق التاريخ، ليخرجوا بالحكم الموضوعي المتماسك، لكنهم أدخلوا إلى عناصر الحكم مصدرا آخر، وهو مقدماتهم الاعتقادية التي ارتكزت عليها مذاهبهم وتميزت بها، وهذا العنصر الأخير هو الأصل الثابت دائما وفق الرؤية المذهبية، فلا يخرج عنه فهم لشئ من نصوص الشريعة، أو استنباط شئ من أحكامها، أو تفسير ظاهرة ما!
هذا الذي صرف المعتزلة إذن عن هذه النصوص.
غير أن لبعض طوائف المعتزلة كلاما قد يكون أقرب إلى التوفيق بين النص وأحوال صاحب النص، منه إلى التأويل.. أبو القاسم البلخي وأصحابه قالوا: لو أن عليا نازع عقيب وفاة رسول الله (ص) وسل سيفه، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها، وحكمه في ذلك حكم رسول الله (ص)، لأنه قد ثبت عنه في

(235) أبو الحسن الكرخي / الأصول التي عليها مدار فروغ الحنفية: 4، د. محمد أديب صالح / مصادر التشريع الإسلامي: 287.
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست