الفصل الرابع حدود الإدراك العقلي إن النزاع بين القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين والمنكرين لهما، نزاع بين الإيجاب الجزئي والسلب الكلي، فالمثبتون لهما اختاروا أن للعقل قابلية درك حسن الفعل وقبحه على نحو الموجبة الجزئية، كما أن النافين ينكرون ذلك على نحو السالبة الكلية، ويستنتج من ذلك أمران:
الأول: يجوز أن يكون العقل عاجزا عن درك حسن بعض الأفعال وقبحها، وإن كان الواقع لا يخلو من أحد الوصفين، وهذا آية عجز العقل عن الإحاطة بجميع المحسنات والمقبحات العقلية.
الثاني: يمكن أن يكون بعض الأفعال في نفس الأمر فاقدا لأحد الوصفين، أعني: لا يكون حسنا ولا قبيحا وتكون نسبتهما إلى الفعل على حد سواء.
هذا هو المتحصل من كلام المثبتين والنافين، وبذلك يعلم أنه لا يصح نسبة الأمرين التاليين إلى المثبتين:
أ. استطاعة العقل إدراك حسن جميع الأفعال وقبحها.
ب. إن كل فعل صادر من الفاعل المختار لا يخلو من أحد الوصفين.
وجه عدم صحة الادعاء الأول - وهو: تمكن العقل من درك الملاكات المحسنة للفعل أو المقبحة له: - أنه تقول لا يرضى به اللبيب، وإلا لاستغني عن بعث الأنبياء وإرسال الرسل ما دام العقل له القابلية على نهج طريق السعادة المادية