التصرف في مال الغير ابتداء، مع غض النظر عن هذين الأمرين.
ولك أن تقرر كلامه بنحو آخر، وهو أن التصرف في مال الغير من مقولة الفعل، وكراهة المالك وعدم رضائه من مقولة الكيف، والغصب المنتزع من هذين الأمرين (التصرف في مال الغير مع كراهته) لا يمكن أن يكون أمرا خارجيا، وإلا يلزم أن يكون الشئ داخلا تحت جنسين، وهذا يثبت أن الغصب عنوان انتزاعي عند تحقق هذين الأمرين، فإذا كان الغصب أمرا انتزاعيا فلا يمكن أن يكون لازمه، أعني: القبح، أمرا واقعيا ملموسا - كما هو الحال في ذاتي باب البرهان - بل يكون هو أيضا انتزاعيا كالمنتزع منه، أعني: الغصب.
ومنه يظهر أن المراد من الذاتي في المقام إنما هو حسن الأفعال وقبحها العقلي، في مقابل الأشاعرة الذين ذهبوا إلى حسن الأفعال وقبحها الشرعي. فمن قال بأن العقل له القابلية على أن يصف الفعل - إذا نظر إليه بما هو هو - بأحد الوصفين، فقد ذهب إلى التحسين والتقبيح العقليين الذاتيين.
وأما من قال بعجز العقل عن وصف الفعل بالحسن أو القبح وإنما يستعين بالشرع وحكمه، فقد ذهب إلى التحسين والتقبيح الشرعيين غير الذاتيين.
ومن هنا يتضح أيضا أن من يصف الفعل بالحسن والقبح بملاحظة ما يترتب عليه من المصالح والمفاسد الاجتماعية، أو بما يلائم غرض الفاعل ويخالفه، فليس هو من القائلين بذاتية التحسين والتقبيح، فهو إما قول ثالث أو أشبه بقول الأشاعرة.