فقد جاء في القرآن آية حكمة * تدمر آيات الضلال ومن يجبر وتخبر أن الاختيار بأيدينا * فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر نعم ربما يقع موضوع الحرية في إطار المغالطة، ويقال إن حرية الإنسان يحيط بها الغموض، لأنه من جانب، خلق بلا مشية منه، كما أنه خرج من رحم الأم إلى هذا العالم بلا إرادة منه، مضافا إلى ذلك فإن شخصيته رهن مثلث الوراثة والثقافة والبيئة التي لكل منها تأثير في مصيره وتفكيره وما يختار من الأفعال.
ومن جانب آخر، يشهد الوجدان أنه موجود حر يمكن أن يهشم إطار المثلث المذكور ويفعل على خلاف مقتضاه ولكن الحق هو الثاني، إذ ليس معنى حرية الإنسان أنه موجود مختار في عامة ما يرجع إليه من نواحي حياته، فخلقته وخروجه إلى الدنيا وتأثره بالأضلاع الثلاثة، أمور خارجة عن اختياره دون أن تخل بحريته إذا كان تعيين المصير في المستقبل بيده.
وعلى هذا، فالإنسان موجود مسؤول عن أفعاله، لما رزق من إرادة واختيار في جوهر ذاته، ولأجل هذه النعمة عرض الإسلام نظاما أخلاقيا ينسجم معهما.
3. تعديل الغرائز خلق الإنسان مقرونا بغرائز علوية وسفلية، وفيه ميول متضادة، يطلب كل غير ما يطلبه الآخر، فهو موجود إلهي مثالي يميل إلى ما وراء الطبيعة والاتصال بمبدأ الوجود، كما يميل إلى العدل والصدق والوفاء وغير ذلك من الصفات العلوية التي تحكي عن فطرته، كما أنه له - في الوقت نفسه - ميول حيوانية جامحة