دفع أباطيل الكاتب - السيد المرتضى المهري - الصفحة ٣٧
هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عباس معللا اقصاء علي عن الامر: ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافة والنبوة (1) فقد يدلنا هذا على أن اسناد الامر إلى علي في بداية الامر كان معناه في الذهنية العامة حصر الخلافة في الهاشميين وليس لذلك تفسير أولى من أن المفهوم لجمهرة من الناس يومئذ من الخلافة العلوية تقرير شكل ثابت للخلافة يستمد شرعيته من نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد نصيرا من علية قريش يشجعه على مقاومة الحاكمين فإنه لا يجد منهم عضدا في مسألة النص إذا تقدم إلى الناس يحدثهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد سجل الخلافة لأهل بيته حين قال: اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي الخ.
وأما الأنصار فقد سبقوا جميع المسلمين إلى الاستخفاف بتلك النصوص والاستهانة بها إذ حدت بهم الشراهة إلى الحكم إلى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة ليصفقوا على يد واحد منهم فلن يجد علي فيهم إذا استدل بالنصوص النبوية جنودا للقضية العادلة وشهودا عليها لأنهم إذا شهدوا على ذلك يسجلون على أنفسهم تناقضا فاضحا في يوم واحد وهذا ما يأبونه على أنفسهم بطبيعة الحال.
وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول من قال: لا نبايع الا عليا مناقضة كتلك المناقضة لأن المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة ان مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص فليس إلى التراجع عن هذا الرأي في يوم اعلانه من سبيل.
وأما اعتراف المهاجرين بالأمر فلا حرج فيه لأن الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة وانما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ولذا نرى الحباب بن المنذر يحاول بث الحماسة في نفوسهم والاستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام وهو يوضح انهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها الا بعضهم.
واذن فقد كان الامام يقدر انه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى انكار النصوص والاستبسال في هذا الانكار إذا جاهر بها ولا يقف إلى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه لان الناس بين من قادهم الهوى السياسي إلى انكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات وبين من يرى ان فكرة النص تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع. وإذا سجلت الجماعة الحاكمة وأنصارها انكارا للنص واكتفى الباقون بالسكوت في الأقل فمعنى هذا ان النص يفقد قيمته الواقعية وتضيع بذلك مستمسكات الإمامة العلوية كلها ويؤمن العالم الاسلامي الذي كان بعيدا عن مدينة النبي صلى الله عليه وآله على انكار المنكرين لأنه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان.

(١) راجع تاريخ الكامل ج ٣ ص ٢٤.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 » »»