مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ٣١
(ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى لكاذبون في الشهادة) وفي ادعائهم المواطأة، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا غير مطابق للواقع، وهو ان هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة ان واللام والجملة الاسمية (أو) المعنى انهم لكاذبون (في تسميتها) أي في تسمية هذا الاخبار شهادة لان الشهادة ما يكون على وفق الاعتقاد فقوله تسميتها مصدر مضاف إلى المفعول الثاني والأول محذوف (أو) المعنى انهم لكاذبون (في المشهود به) أعني قولهم انك لرسول الله لكن لا في الواقع بل (في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الباطل لانهم يعتقدون انه غير مطابق للواقع فيكون كاذبا باعتقادهم وان كان صادقا في نفس الامر فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب الا بمعنى عدم المطابقة للواقع فليتأمل.
لئلا يتوهم ان هذا اعتراف بكون الصدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد.
(والجاحظ) أنكر انحصار الخبر في الصدق والكذب وأثبت الواسطة وزعم أن صدق الخبر (مطابقته) للواقع (مع الاعتقاد) بأنه مطابق (و) كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته للواقع (معه) أي مع اعتقاد انه غير مطابق (وغيرهما) أي غير هذين القسمين.
وهو أربعة أعني المطابقة مع اعتقاد عدم المطابقة، أو بدون الاعتقاد أصلا، أو عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، أو بدون الاعتقاد أصلا (ليس بصدق ولا كذب) فكل من الصدق والكذب بتفسيره أخص منه بالتفسيرين السابقين لأنه اعتبر في الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد جميعا وفي الكذب عدم مطابقتهما جميعا بناء على أن اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الاعتقاد.
ضرورة توافق الواقع والاعتقاد حينئذ وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الاعتقاد حينئذ.
وقد اقتصر في التفسيرين السابقين على أحدهما (بدليل افترى على الله كذبا أم به جنة) لان الكفار حصروا اخبار النبي عليه السلام بالحشر والنشر على ما يدل
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»