مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٣٠
استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الذين يمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم بوجه من التكلف إنتهى وفي الحدائق بعد أن نقل هذه العبارة قال وهو جيد لولا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي زكاه ثم قال ومما يؤيد ما ذكره طاب ثراه صحيحة عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت أية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس إن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة و الشعير والتمر والزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفى عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق. أقول: هذه الصحيحة كالنص في أن المراد بحول الحول حقيقته ولكن لا صراحة بل ولا ظهور يعتد به في أنه أريد بهذا حول الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة فمن الجائز تحقق الوجوب من ابتداء الشهر الثاني عشر وكون تأخير الامر بدفعها وتوجيه العمال إليهم عن ذلك كتأخيرها عن شهر رمضان لحكمة رآها النبي صلى الله عليه وآله فلا تصلح هذه الصحيحة معارضة للصحيحة السابقة وقد ظهر بما أشرنا إليه في تقريب الاستدلال للمشهور بالصحيحة المزبورة من حكومتها على سائر الأدلة الدالة على اعتبار حول الحول في الوجوب إن ما ذكره المحدث الكاشاني من أنا لو حملناه على استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد لا يخلو من نظر لأنه إذا أراد بما ثبت بالضرورة من الدين اعتبار الحول بمعناه الحقيقي الذي هو عبارة عن أثنى عشر شهرا تاما فهذا مما لم يثبت بالضرورة كيف والمشهور إن لم يكن مجمعا عليه خلافه وإن أراد اعتباره بالمعنى الذي أريد منه في الاخبار وفي معقد الاجماع والضرورة التي هي مستند هذا الحكم فغاية الامر صيرورة ما دل عليه كاية أو سنة متواترة وقد تقرر في محله جواز التصرف في ظاهر الكتاب والسنة المتواترة بالخبر المعتبر خصوصا إذا كان بمنزلة التفسير له كما في المقام فالشأن إنما هو في تحقيق مفاد هذه الصحيحة وتشخيص مقدار حكومتها على سائر الأدلة. فأقول: قوله عليه السلام فإذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال الحول لم يقصد به حقيقته جزما لان حول الحول إنما يتحقق بتمامه الذي هو عبارة عن أثنى عشر شهرا كاملا فهذا الكلام مبني أما على التصرف في لفظ الحول باستعماله في أحد عشر شهرا فتكون اللام الداخلة عليه حينئذ للعهد ومعناه حينئذ إن الحول الذي أعتبره الشارع في باب الزكاة قد حال بمعنى أحد عشر شهرا فتدل بالالتزام على إن للحول في باب الزكاة معنى شرعيا وهو أحد عشر شهرا أو في أضافة الحولان إليه بتنزيل التلبس بالجزء الاخر منزلة تمامه وهذا مجاز شايع وأما الأول فمع بعده في حد ذاته مخالف لسوق الرواية حيث إن المنساق منها سؤالا وجوابا في سائر فقراتها ليس إلا استعمال الحول في معناه الحقيقي وأن المقصود بهذه الفقرة تنزيل التلبس بالشهر الثاني عشر الذي به يتم الحول منزلة تمامه كما في قول القائل إذا دخل الساعة الأخيرة من النهار أو إذا زالت الشمس فقد انقضى النهار وإذا دخل العشر الاخر من شهر رمضان فقد انقضى كما ورد في الأدعية المأثورة هذه أيام شهر رمضان ولياليه قد تصرمت فكون النهار والشهر والحول اسما للمجموع بنفسه قرينة إرادة التجوز من نسبة الانقضاء إليه مع أنه قد ينافيه ما في صدر هذه الصحيحة من تنظير من وهب ماله بعد دخول الشهر الثاني عشر فرارا من التكليف بالزكاة بمن أفطر في شهر رمضان أول النهار ثم سافر أخره في أنه لا يجديه ذلك في الفرار عن الكفارة بعكس ما لو وهب ماله قبل أن يدخل الشهر الثاني عشر فإنه بمنزلة من سافر ثم أفطر فأنك أن تأملت فيه تجده شاهد صدق على أن المقصود بقوله (ع) فقد حال الحول ليس انقضاء نفس الحول حقيقة بحيث يحتسب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية كما توهمه غير واحد حيث زعموا دلالة الرواية على أن للحول حقيقة شرعية في هذا الباب فالتزموا بأن الشهر الثاني عشر يحتسب شرعا من السنة اللاحقة فكان المحدث الكاشاني نظر في عبارته المتقدمة إلى ذلك فرآه مصادمة الضرورة فمنع جواز إثباته بالخبر الواحد في مقابل السيرة الجارية على بعث عامل الصدقات في كل سنة مرة والروايات الدالة على أنها لا تجب في كل سنة إلا مرة وأنه لا يزكي مال في غابر من وجهين وأما غير واحد منها كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن إرادة أحد عشر شهرا من الحول وكيف كان فهذا المعنى مع الغض عن سائر المبعدات في حد ذاته بعيد والمنساق من الصحيحة أنما هو إرادة المعنى الثاني أي التجوز في النسبة بتنزيل دخول الشهر الثاني عشر منزلة انقضاء الحول حكما فالمراد به أما تنزيله منزلته على الاطلاق أي بالنسبة إلى جميع ما يعتبر وجوده في تمام الحول وقضية ذلك استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر كما هو ظاهر المشهور أو في خصوص تعلق التكليف بالزكاة دون سائر الشرايط المعتبرة في تمام الحول فيثبت حينئذ به الوجوب مراعا بعدم اختلال سائر الشرائط كلا أو بعضا إلى تمام السنة أو في خصوص الحكم الذي سيقت هذه الفقرة لبيانه أي من حيث حرمة التفويت وإتلاف متعلق الزكاة كما يظهر من المحدث الكاشاني والأول أقرب إلى معناه الحقيقي والأخير أقرب إلى مفهومه العرفي بالنظر إلى خصوصية المورد وما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره مما دل على اعتبار سائر الشرائط في تمام الحول إذ لا يلزم على تقدير حمله على هذا المعنى التصرف في ظاهر شئ من تلك الأدلة بخلاف سائر المحامل مع أن وقوع السؤال عن جواز الاتلاف قبل حله بشهر أو بيوم يصلح أن يكون قرينة على أن يكون المنع عنه بخصوصه هي الجهة الملحوظة لديهم التي ينصرف إليه إطلاق التشبيه فعلى هذا يكون قوله عليه السلام ووجبت الزكاة كقوله فقد حال الحول مبنيا على مجاز المشارفة لكن قد ينافيه ظهور جملة من الفقرات المذكورة في الصحيحة قبل هذه وبعدها بل صراحتها في إرادة الوجوب الحقيقي وصيرورة الزكاة بدخول الشهر الثاني عشر ملكا للفقير كما لا يخفى على من لاحظها وكفاك شاهدا عليه ما تقدمت الإشارة إليه من تنظيره بمن أفطر ثم سافر فقوله عليه السلام ووجبت الزكاة لم يستعمل إلا في معناه الحقيقي فذكره بعد قوله عليه السلام فقد حال الحول تصريح بالحكم المقصود بهذا التنزيل الذي يتفرع عليه حرمة الاتلاف فيبقى الكلام حينئذ في أن المنساق من هذا الكلام هل هو إرادة عموم المنزلة أي بالنسبة إلى جميع الأمور التي أعتبر تحققه في تمام الحول في تعلق الزكاة أو خصوص الحكم التكليفي في مقام العمل المنافي لكونه مراعا
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»