مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٩١
من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضوع قديما وضرب هذا الدرهم والواسع فنسب إليه الدرهم البغلي وهذا غير صحيح لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله قبل الكوفة انتهى وقوله بعضهم يقولون إلى اخره على الظاهر لبيان مجرد اختلاف التعبير لا المخالفة في الرأي والا لبين ما فيه من الضعف الموجب لاختياره القول الآخر وكيف كان فان اتحد الدرهم الوافي والبغلي معنى كما هو الظاهر فلا بحث والا فالأظهر هو العفو عما دون الدرهم الوافي كما وقع التصريح به في الفقه الرضوي ومعاقد الاجماعات المتقدمة المعتضدة بشهرته بين القدماء خصوصا مثل الصدوق ونظرائه الذين من عادتهم التعبير بمتون الروايات وكفى كذلك دليلا لتعين المراد بالدرهم من اخبار الباب ولا ينبغي الالتفات إلى ما في المدارك من الاستشكال في أصل التقييد حيث قال إن البغلي ترك في زمن عبد الملك وهو متقدم عليه زمن الصادق (ع) قطعا فيشكل حمل النصوص الواردة منه عليه والمسألة قوية الاشكال * (انتهى) * لا لمجرد ما قد يقال من صدور رجل اخبار الباب من أبي جعفر (ع) وهو في زمن عبد الملك مع أن ترك استعماله في المعاملات في عصر الصادق عليه السلام لا ينافي بقائه فيما بأيديهم في الجملة ومعروفية التحديد به بل لأن اشتهار تفسير الدرهم بالوافي أو البغلي من الصدر الأول ووقوعه في الفقه الرضوي كاشف قطعي عن المراد إذ كيف يعقل ان يصدر منهم هذا التفسير من غير أن يرشدهم إليه قرينة معينة فهل يظن بأحد من العلماء ان يستنده في مثل المقام إلى الحدس والاجتهاد القابل للخطأ فضلا عن أن ينعقد اجماعهم عليه مع أن من المعلوم عند كل أحد وجوب حمل المطلق على معناه المتعارف فلو لم يكن هذا الدرهم متعارفا في زمان صدور الاخبار لم يكن عدول العلماء عن حمل الدرهم على المتعارف في ذلك الزمان الا لدليل * (ثم) * ان المراد بمقدار الدرهم على الظاهر سعته لا وزنه ولا حجمه لأن هذا هو المتبادر من تقدير الدم بالدرهم في مثل مورد الروايات كتحديده بمقدار إصبع أو إصبعين كما يشهد بذلك ويؤيده فهم الأصحاب فالمهم في المقام انما هو معرفة سعة هذا الدرهم الموصوف بالوافي الذي شهدت القرائن وصرح غير واحد بأنه هو المسمى بالبغلي والا فمجرد العلم بوزنه ومغايرته للدرهم المتعارف غير مجد وقد اختلفت الكلمات في تحديده فعن بعض تحديده بأخمص الراحة وهو ما انخفض من باطن الكف وربما نسب ذلك إلى أكثر عبائر الأصحاب ولا يبعد ان يكون مستندهم في ذلك شهادة ابن إدريس في عبارته المتقدمة بأنه شاهده قريبا عن أخمص الراحة فتحديدهم بالأخمص تقريبي كما هو واضح وقد سمعت انفا من ابن أبي عقيل تحديد مقدار الدم المعفو عنه بالدينار ويشهد له خبر علي بن جعفر المتقدم والدينار على ما قيل هو الذهب اللعيبى الذي ربما يوجد في زماننا وهو على ما نقل بقدر الدنانير المتعارفة في هذه الاعصار التي وزن كل منها مثقال شرعي والظاهر أن من حدد الدرهم بالأخمص لم يرد الا ما يقرب من ذلك وحكى عن الإسكافي تقدير الدرهم بعقد الابهام الاعلى من غير تعرض لكونه البغلي أو غيره وعن بعض اخر تقديره بعقد الوسطى وعن روض الجنان بعد نقل هذه التقديرات الثلاثة قال إنه لا تناقض بين التقديرات لجواز اختلاف افراد الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع واخبار كل واحد عن فرد رآه انتهى وعن المصنف في المعتبر بعد ذكر التحديدات المتقدمة وتقدير العماني له بالدينار قال والكل متقارب والتفسير الأول اشهر انتهى وربما يناقش في الاعتماد على هذه التحديدات بأنه لم يتحقق ان مرادهم تحديد الدرهم البغلي حتى يكون رفع المناقضة التي تتراءى من عبائرهم بحملها على التحديد التقريبي أو كون اخبار كل عن فرد رآه مجديا ولو بالنسبة إلى القدر المشترك اما تحديد العماني بالدينار فلعل نفس مقدار الدينار لديه موضوع الحكم وليس في كلام الإسكافي وغيره دلالة على إرادة الدرهم البغلي * (نعم) * وقع تقييد الدرهم بالبغلي في عبارة الحلي ولكنه أيضا لم يصرح بان ماراه من الدرهم وقدره بالأخمص كان هو الدرهم البغلي وانما حكاه عن رجل له علم بالأخبار والأنساب وضعفه ومن الواضح ان طريق ذلك الرجل أيضا لاحراز مثل هذه الموضوعات ليس الا الحدس فكيف يعتمد على قوله واعترض بعض على من حدد الدرهم بالأخمص اعتمادا على اخبار الحلي بذلك بأنه انما يقبل قوله في مثل المقام من باب الشهادة التي يعتبر فيها العدد فلاوجه للاعتماد على قوله منفردا وقد أجيب عن ذلك بان قوله يفيد الوثوق بل القطع إذ لا يحتمل في حقه التعمد في الكذب أو الخطاء في الحس وفيه ما عرفت من أن قول الحلي وان كان موجبا للقطع بمشاهدته درهما كما وصف لكن من أين يحصل القطع بان ذلك الدرهم كان من افراد الدرهم البغلي هذا ولكن الانصاف انه يحصل من مجموع هذه التحديدات الوثوق بان الدرهم البغلي كانت سعته قريبة من هذه التحديدات واما احتمال ان يكون مراد الإسكافي وغيره ممن حدد مقدار الدرهم درهما غير الدرهم الوافي الذي هو بحسب الظاهر متحد مع البغلي فمما يبعده ما عرفت من أن الظاهر كما صرح به غير واحد عدم الخلاف في أن هذا هو المراد بالدرهم الوارد في النصوص والفتاوى وكيف كان فان حصل الوثوق من هذه الكلمات وغيرها بمقدار معين فهو والا فالمتعين هو الاقتصار على القدر المتيقن والاجتناب عما زاد عليه في الصلاة لوجوب الاقتصار في رفع اليد عن ظاهر ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجاسات على المتيقن وما يقال من أن تخصص العمومات بأقل من مقدار الدرهم معلوم فالشك انما يتعلق بكون الفرد الخارجي من افراد المخصص أو العام ولا يجوز في مثله التمسك بالعموم بل يرجع إلى الأصول العملية * (مدفوع) * بان هذا فيها إذا لم يكن الشك ناشئا من اجمال المخصص وتردده من الأقل والأكثر كما فيما نحن فيه
(٥٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 ... » »»