فيميز مقدار ما يجب عليه غسله بما يجب عليهم أو يرجع إلى غيره مطلقا سواء ماثله في الوجه أم لا بشرط ان يكون الغير الذي يرجع إليه من مستوى الخلقة فيلاحظ ما ينتهى إليه غسله من العذار والعارض ومواضع التحذيف وغيرها فيعين بذلك حدود وجهه الواجب عليه غسله فيغسل ما يغسله المستوى أي المواضع التي يغسلها من وجهه لا المقدار الذي يغسله ضرورة ان ذلك المقدار ربما لا ينتهى إلى حدود وجهه لكبره وربما يتعدى عنها لصغره مع أن عدم وجوب غسل الزائد عن الوجه المعلوم خروجه وكذا وجوب غسل ما هو معلوم دخوله في الوجه ممالا شبهة فيه فمعنى الرجوع إلى المعتدلين في الخلقة ليس إلا تعيين حدود وجهه بالمقايسة إلى وجوههم ويجب بل ولا يصح الوضوء الا ان يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن فلو غسل منكوسا لم يجزه على الأظهر الأشهر بل عن بعض نسبته إلى المشهور وعن بعض حواشي الألفية دعوى الاتفاق عليه ويدل عليه رواية قرب الإسناد عن أبي جريرة الرقاشي قال قلت لأبي الحسن موسى (ع) كيف أتوضأ للصلاة فقال (ع) لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا وكذلك فامسح على ذراعيك ورأسك وقدميك وقد ناقش في دلالتها شيخنا المرتضى [ره] بان الامر فيه محمول على الاستحباب قطعا لتقييده بكونه على وجه المسح في مقابل اللطم وفيه أن رفع اليد عن ظاهر الطلب بالنسبة إلى بعض القيود الواقعة في حيزه بدليل خارجي لا يوجب رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى ما عداه كما لو امر المولى عبده بضرب زيد أول الصبح في داره وعلم من الخارج ان بعض هذه الخصوصيات غير لازمة المراعاة لديه فلا يرفع اليد عن ظاهر الامر بالنسبة إلى ما عداه ولا يصلح ذلك أن يكون قرينة لكون أصل الطلب مستعملا في الندب كمالا يخفى على من راجع العرف في محاوراتهم ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في معينين كما حققناه في محله هذا مع أن غسل الوجه واجب بالضرورة فلا يمكن حمل الامر المتعلق بمصاديقه المشتملة على مزية راجحة على الاستحباب والا للزم اجتماع الوجوب والاستحباب في الواحد الشخصي فلا بد من حمل الامر على الوجوب التخييري والالتزام بان متعلقه أفضل افراد الواجب المخير فالخصوصية الموجبة لمزية هذا الفرد على سائر الافراد توجب تأكد طلبه لا صيرورته مستحبا ولذا لا يجوز تركه لا إلى بدل ويؤتى به في مقام الامتثال بقصد الوجوب كما يؤتى بسائر الافراد الفاقدة لهذه الخصوصية بهذا القصد فالامر المتعلق به ليس إلا للوجوب لا يجوز رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى شئ من القيود الواقعة في خيرة الا ان يدل دليل خارجي عليه فيقتصر [ح] على مقدار دلالة الدليل * (نعم) * لو كان الكلام في حد ذاته مسوقا لبيان رجحان هذه الخصوصية بان يكون المقصود بقوله اغسل وجهك مسحا الامر باختيار امتثال الامر الوجوبي المتعلق بالغسل في ضمن هذا الفرد لكان الامر حينئذ استحبابيا ولكنه خلاف الظاهر ووقوع الغسل مسحا في مقابل اللطم لا يصلح قرينة لإرادة ذلك فان تقييد اللطم المنهى عنه في الرواية بقوله (ع) لطما مشعر بل ظاهر في إرادة لطم ما الذي لا يحصل به عادة غسل مجموع الوجه على الوجه المعتبر شرعا فيحتمل قويا كون النهى المتعلق به حقيقيا لا تنزيهيا كي يكون قرينة لحمل الامر المتعلق بمقابله على الاستحباب فعلى هذا يشكل استفادة كراهة كون الغسل بطريق اللطم من الرواية بل وكذا استحباب كونه بطريق المسح لقوة احتمال جرى الامر والنهى المتعلقين بهما مجرى العادة بلحاظ حصول الغسل الشرعي وعدمه فالمراد بالرواية على هذا التقدير ولا تعمق في الوضوء كما هو شأن الوسواسيين ولا تلطم وجهك بالماء لطما مختصرا كما هو عادة المتسامحين الذين لا يبالون بامتثال الواجبات ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء بحيث ينغسل به جميع وجهك من أعلاه بالمسح وكونه بالمسح لا لأجل ان للمسح خصوصية اعتبرت بل لأجل ان غسل الوجه على الوجه المعتبر شرعا لا يتحقق غالبا الا به فليتأمل * (وكيف) * كان فلا أرى في الرواية قصورا عن إفادة المطلوب * (وقد) * يستدل له أيضا بالاخبار الكثيرة المستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ففي بعضها انه صلى الله عليه وآله اخذ كفا من ماء وصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله وفي اخر فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه وفي الصحيح عن زرارة قال حكى أبو جعفر (ع) وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى فاخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه [الخ] وفي رواية أخرى عنه انه غرف ملاها ماء فوضعها على جبينيه * (وعن) * تفسير العياشي انه غرف غرفة فصبها على جبهته وعن العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى انهما قالا بعد الصحيح الأول روى عنه أنه قال بعد ما توضأ ان هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به وقد يناقش في دلالتها بان الغسل من الأعلى لا يدل على اعتباره وبطلان الوضوء بدونه لاحتمال ان يكون اختياره هذا الفرد لكونه أحد جزئيات الكلى المأمور به خصوصا بعد كونه هو الفرد المتعارف ووجوب التأسي بمعنى الالتزام بهذه الخصوصية ممالا دليل عليه ولو بعد احراز رجحانها في الجملة إذ ليس معنى التأسي الواجب وجوب ايجاد المباحات أو المستحبات واما قوله (ع) فيما أرسله العلامة والشهيد هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به فهو مع إرساله مجمل لا يصلح التقييد اطلاق الغسل إذ ليس المراد من المشار إليه هو الوضوء الشخصي ولا ما يماثله في خصوصياته
(١٣٥)