فضل آل البيت - المقريزي - الصفحة ٨٧
فطهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا، لو وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم لكان ذنبا في الصورة لا في المعنى، لأن الذم لا يلحق به من الله تعالى ولا منا شرعا، فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة، ولم يكن يصدق قوله: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
فدخل الشرفاء أولاد فاطمة: كلهم [ومن هو من أهل البيت مثل سلمان الفارسي] (1) إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون باختصاص من الله تعالى، وعناية بهم لشرف محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عناية الله سبحانه به (2).
فينبغي لكل مسلم [مؤمن بالله وبما أنزله] (3) أن يصدق الله تعالى في قوله:
(ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فيعتقد في جميع ما يصدر [من أهل البيت] (4) رضي الله عنهم أن الله تعالى قد عفا عنهم فيه.
ولا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمة، ولا ما يشنأ أعراض من قد شهد الله تعالى بتطهيرهم وإذهاب الرجس لا بعمل عملوه، ولا بخير قدموه، بل سابق عناية واختصاص إلهي (5) (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (6).

١ - سقطت من (ق) و (س)، والمثبت عن (الفتوحات).
٢ - اختصر المقريزي نص ابن عربي مع طوله فحذف بعض الفقرات.
٣ - سقطت من (ق) و (س) والمثبت عن (الفتوحات).
٤ - في (ق) و (س): (ما يصدر من أولاد فاطمة).
٥ - لأن الله اصطفى محمدا وأهل بيته قبل الخلق، فكانوا أنوارا حول عرش الله يعبدون الله ولا يفترون، ويقدسونه ويخلصون، إلى أن خلق الخلق - الملائكة - فقدسوا بتقديس أهل البيت، راجع: مناقب الخوارزمي: ١٤٥ الفصل ١٤ ح ١٦٩،، وتذكرة الخواص: ١٢١ - ١٢٢ الباب السادس - خطبة في مدح النبي والأئمة، وينابيع المودة ١: ٣١٤ ط. اسلامبول و ط. النجف: ٣٧٧، و ج ٢: ٢٤٧ - ٤٨٦ ط. اسلامبول و ط. النجف: ٥١٣ - ٥٨٢ - ٥٨٤، وكشف الغمة ٢: ١٠٨، وكمال الدين ٢ / ٣٣٥ - ٢٥٦، وبحار الأنوار ٢٦ / ٣٠١ - ٣٣٥ - ٣٢٦ - ٣٤٥، وكشف اليقين:
٢٨
.
وعالم أنوار أهل البيت: عالم غريب عن الأسماع يحتاج إلى بسط كلام وقد فصلناه في الكتاب الأول من حقيقة آل محمد ٩ - الولاية التكوينية.
(١) - توضيح مراد المصنف:
في أن الإرادة تكوينية في آية التطهير يختلف المعنى في آية التطهير باختلاف تفسير الإرادة، فإنه على كون الإرادة في الآية تشريعية يكون الله تعالى يعطي أهل البيت عليهم السلام الطهارة والعصمة بعد طاعتهم لله وجزاء لعبادتهم التي تكون باختيارهم ورغبتهم وفعلهم.
فيكون المعنى (أمركم الله باجتناب المعاصي يا أهل البيت).
أما على كونها تكوينية فالله يضفي التطهير والتقديس والعصمة ابتداء وبلا سابق فعل، بل لعلمه بحالهم وأحوالهم وأنهم يطيعونه متى أراد وشاء، وأنهم لا يريدون إلا ما أراد سبحانه، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله.
فيكون المعنى في قوة قولك (إنما أذهب الله عنكم الرجس وطهركم يا أهل البيت).
قال الشيخ الطبرسي: فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة، أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس.
ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت: دون سائر الخلق.
ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة في الإرادة المجردة، فثبت الوجه الثاني.
وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح، وقد علمنا أن من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته، فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم: (مجمع البيان:
٨ / ٥٦٠ مورد الآية).
* وللعلامة الطباطبائي كلام مشابه زاد عليه استشهاده للوجه الأول بقوله تعالى: (٤) لله ليجعل (٥) رج ولكن يريد الله ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون.
وقال: ويكون المراد بالإرادة أيضا غير الإرادة التشريعية، لما عرفت أن الإرادة التشريعية التي هي توجه التكاليف إلى المكلف لا تلائم المقام أصلا.
والمعنى: أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل وأثر العمل السيئ عنكم أهل البيت:، وإيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة (تفسير الميزان: ١٦ / ٣١٠ - ٣١٣ مورد الآية).
* وقال السيد الحضرمي: قال السيد خاتمة المحققين السيد يحيى ابن عمر: فإذا تقرر لديك ذلك فإيضاح وجه الاستدلال إن من المعلوم المقطوع به عند أهل السنة: إن إرادته تعالى أزلية وأنها من صفات الذات القديمة بقدمها الدائمة بدوامها، وقد علق الله تعالى الحكم بها، إذ أحكام صفات الذات المعلقة بها لا يجوز عليها التجوز، لأنه يلزم منه حدوث تلك الصفة فيلزم من حدوثها حدوث الذات القديمة وقيام الحوادث بها، وكل منهما يستحيل قطعا تعالى الله عن ذلك.
حتى قال جمع من المشايخ العارفين: يجب على كل مسلم أن يعتقد أن لا تبديل لما اختص الله تعالى به أهل البيت بما أنزل الله فيهم، إذ شهادته لهم بالتطهير وإذهاب الرجس عنهم في الأزل على الوجه المذكور (رشفة الصادي: ٢٥ ط. مصر و ٤٧ ط. بيروت - بتحقيقنا - الباب الأول).
- وقال في موضع أخر: وإذا كانوا كذلك فكيف يجوز على أحد منهم الخروج عن الملة الذي هو الكفر الموجب للخلود في النيران، والطرد عن باب الرحمن، وفي إرادة الله سبحانه وتعالى تطهيرهم كما في الآية، اعدل شاهد على استحالة الكفر على أحد منهم، لأن الإرادة صفة ذاتية قديمة بقدمه تعالى، ومن المعلوم أن أحكام الذات لا تتبدل (رشفة الصادي: ٥٨ ط. مصر ٤ و ١٠ ط. بيروت - باب ٤)..
أذهب الله عنكم الرجس أهل * البيت في محكم الكتاب افاده وبتطهير ذاتكم شهد القرآن * حقا فيا لها من شهاده لا بما قد تحملتموه من الخير * ولكن قضت بذاك الإراده (رشفة الصادي: ١٣٥ ط. مصر و ٢١٥ ط. بيروت) * وقال الشيخ الرفاعي: ومع ذلك يعني وجود الحساد لهم في كل زمان وأوان، فإن شرف الآل أعز قدرهم المتعال لا ينقص بحسد حاسد ولا بجحود جاحد، ما هو إلا فضل هطل من الحضرة الصمدانية عليهم، وسبق الإرادة الأزلية إليهم، فأنى تمنع سحب العناية الإلهية الهاطلة عليهم كلاب نايحة، وجدير أن تعشى أنوارهم عيونا صارت إلى مشاهد الضلال طامحة (رشفة الصادي:
٦٧ ط. مصر ١١٦ ط. بيروت).
وقال الإمام أبو العباس أحمد بن عيسى المعروف بزروق المغربي التونسي في كتابه (تأسيس القواعد والأصول وتحصيل الفوائد لذوي الوصول):
قاعدة: أحكام الصفات الربانية لا تتبدل وآثارها لا تتنقل، ومن ثم قال الحاتمي: نعتقد في أهل البيت إن الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن جميع سيئاتهم لا بعمل عملوه ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم، إذ قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) الآية، فعلق الحكم بالإرادة التي لا تتبدل أحكامها فلا يحل لمسلم أن ينتقص، ولا أن يشنأ عرض من شهد الله بتطهيره وذهاب الرجس عنه (رشفة الصادي: 84 ط. مصر و 141 ط. بيروت - باب السادس).
وقال الآلوسي: وقد يستدل على كون الإرادة ههنا بالمعنى المذكور (التشريعية) دون المعنى المشهور الذي يتحقق عنده الفعل، بأنه صلى الله عليه وسلم قال حين أدخل عليا وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فإنه أي حاجة للدعاء لو كان ذلك مرادا بالإرادة بالمعنى المشهور، وهل هو إلا دعاء بحصول الحاصل).
إلى أن اختار الإرادة التكوينية بقوله: (.. والإرادة على معناها الحقيقي المستتبع للفعل).
(تفسير روح المعاني: 22 / 18 مورد الآية ط. مصر المطبعة المنيرية).
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقريزي في سطور 7
2 تقديم 9
3 مقدمة المؤلف 13
4 الآية الأولى: آية التطهير وسبب النزول والأقوال في ذلك 15
5 مصادر نزول آية التطهير في أهل البيت عليهم السلام 15
6 معاني الرجس 19
7 تلاوة الرسول صلى الله عليه وآله الآية على باب فاطمة عليها السلام 23
8 ذكر من قال بتصحيح حديث الكساء 35
9 ذكر جميع الأقوال في آية التطهير 39
10 اختصاص آية التطهير بأصحاب الكساء عليهم السلام وأدلته 45
11 وجود الجمل الاعتراضية في القرآن 56
12 كلام العلامة الطوفي في الآية 59
13 مصادر وألفاظ حديث: " فاطمة بضعة " 64
14 مصادر حديث الثقلين ودلالته 67
15 بعض روايات منع النساء من الدخول 72
16 اتفاق الأمة على اختصاص أهل البيت بأصحاب الكساء عليهم السلام 75
17 كلام ابن عربي في حقيقة أهل البيت عليهم السلام 85
18 في أن الإرادة تكوينية في الآية وأقوال العلماء 88
19 ما جاء في فضل فاطمة عليها السلام وذريتها 96
20 الآية الثانية: إلحاق الذرية بإيمان الآباء 101
21 الآية الثالثة: حفظ الذرية لصلاح الآباء 109
22 الآية الرابعة: إدخال الذرية الجنة لصلاح الآباء 113
23 الآية الخامسة: آية المودة ونزولها في أهل البيت عليهم السلام 117
24 مصادر نزول آية المودة في أهل البيت عليهم السلام 117
25 في انحصار قطب الأقطاب بأهل البيت عليهم السلام 132
26 قصص وكرامات في اكرام بني فاطمة عليها السلام وأثره 135