الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٠٧
وأقسم يمين الاخلاص ومن ذلك الوقت كان في صحبة مسلم وكان يسمع ويرى كل شئ يجري في دار هانئ بن عروة وينقل ذلك كله إلى عبيد الله.
وأرسل عبيد الله إلى هانئ رجلين شريفين صديقين لهانئ ليأتوا به إلى عبيد الله بحجة أن هذا لم يره عنده منذ وقت طويل فلما مثل أمامه حادثه في الامر (1).
ولم يستطع الكذب بحضرة الجاسوس ووعد بأن يصرف ضيفه (أي مسلم بن عقيل) ولكنه لم يشأ أن يسلمه. فهدده عبيد الله بالقتل فقال هانئ: (إذن تكثر البارقة حول دارك!) فكان رد عبيد الله أن استعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه. فوثب هانئ وأخذ سيف شرطي كان إلى جواره. فأمسكوا به وسجنوه. وفي تلك الأثناء أقبل بنو مذحج حتى أحاطوا بالقصر وهم يقولون: (لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة) ولكننا سمعنا أن أخانا يقتل. فقام القاضي شريح فهدأ ثائرتهم بأن أكد لهم أن هانئا حي فشكروا الله وانسحبوا وكان كل شئ كان على ما يرام.
ولكن هذا لم يكف لابعاد الخطر عن عبيد الله إذ لم يكد مسلم بن عقيل يعلم بحبس هانئ حتى قرر ألا ينتظر طويلا فجمع أصحابه بسرعة (2) وسار بهم في اليوم نفسه إلى السوق وأما عبيد الله فانطلق من المسجد حيث كان يقيم الصلاة وتحرز في القصر وغلق الأبواب. ولم يكن معه إلا بعض الموالي وثلاثون رجلا من

(1) في رواية عمر بن شبة (الطبري 2 / 245) أن عبيد الله قال لهانئ: (يا هانئ! أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة إلا قتله غير أبيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن صحبتك فقال هانئ: (نعم!) قال عبيد الله: (فكان جزائي أن أخبأت في بيتك رجلا ليقتلني؟) قال:، (ما فعلت) فأخرج عبيد الله الجاسوس فلما رآه هانئ علم أن قد أخبره الخبر. فقال: (أيها الأمير! قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عني فأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت. فكبا عبيد الله عندها ومهران قائم على رأسه في يده معكزة فقال: (وأذلاه! هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك!) فقال: (خذه!) فطرح المعكزة وأخذ بضفيرتي هانئ ثم أقنع بوجهه. ثم أخذ عبيد الله المعكزة فضرب به وجه هانئ...) وتصوير زياد بأنه قاتل جميع شيعة الكوفة تكفي للحكم على هذا الخبر. قارن الطبري (ص 284 س 8 وما يليه).
(2) في رواية هارون بن مسلم (الطبري 2 / 272) - وهي رواية أقل ثقة - ورد أن من بين هؤلاء كان ببة القرشي المشهور والمختار الثقفي المشهور أيضا.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست