الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٣
وإما - وهو الأخطر لأنها غير مقتنعة بما عرض عليها من موضوعاته. وينتهي الامر بهذه النماذج إلى أن تتبعثر في الفراغ، وتحس باللامبالاة تجاه مسائل العقيدة، لان أسلم الطرق الا تبالي، فالهرب أسلم المسالك.
والغريب ان هذه الحال قد طفحت على سطح المجتمع منذ أوائل القرن التاسع عشر، حين بدا اللقاء والاصطدام بين ثقافتي الشرق والغرب يواجه مبعوثينا إلى أوربا، على عهد محمد علي - في مصر، وتعرضت اعمال روائية، منذ ذلك العهد، وحتى يومنا هذا، لتصوير التمزق الفكري، الذي يعانيه هؤلاء المبعوثون، من أمثال: تخليص الابريز لرفاعة الطهطاوي، وعلم الدين لعلي مبارك، وحديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي، وقنديل أم هاشم ليحي حقي، وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، ومليم الأكبر لعادل كامل فانوس، أي ان المشكلة ثائرة وملحة من قديم، دارت حولها روايات قيمة. ومع ذلك لم يبحث لها المفكرون الدينيون عن حل، ولم يعرضوا لها بمناقشة لاستكناه أسبابها، على حين اكتفت الاعمال الروائية بالتقاطها وتصويرها. والخطر بهذه السلبية إلى تفاقم، والخراب إلى استفحال، والضحية دائما هو الانسان المسلم.
أليس غريبا ان يكون بعض عتاة الملاحدة في مجتمعاتنا ممن يمتون إلى أسر ذات اتصال بالدراسة الدينية؟!! وان تنشر مجلة أسبوعية ان احدى المانيكان تمثل جامعة الأزهر الشريف، ثم تأتي بصورتها فإذا هي ترتدي ما ترتديه بنات باريس (1)!! ودعك من أن تكون إحداهن فتاة غلاف، تنشر لها صورة عارية، أشبه بصور السابحات الفاتنات، وهي من بنات العلماء؟ (2) انهم جميعا، واضرابهم، نتاج هذا الانفصام بين الفكر الديني وقضايا العصر، بحيث لم يأخذ هذا الفكر شكل ثقافة حية تجمع بين المعرفة والسلوك، أي ان هناك عجزا شائنا في الثقافة المستخدمة للاقناع، على حين استطاعت الثقافات الأخرى ان تحتازهم لمعسكرها، لأنها صادفت فراغا فتمكنت، بصرف النظر عن جدية الاشخاص أو هزليتهم وتفاهتهم، واحد أسباب هذا الانفصام أيضا ان من يتولون سدانة الفكر الديني لم ينهضوا لمواجهة تحدي العصر، ربما لأنهم فعلا غير فاهمين لرسالاتهم، الا على انها استحضار لماض أثري لا علاقة له بحاضر، وربما لتوهمهم انه لا تحدي أصلا، بل كل شئ هادئ على الجبهة!! والدنيا بخير والحمد لله!! فالمشكلة من هذه الوجهة أزمة في الشعور الذي يؤدي حين يكون سويا إلى الأرق المنتج، والقلق الخلاق، فاما حين لا يكون هناك شعور فان الدين يتحول عند بعض رجاله إلى باب سخي للوجاهة والارتزاق، وعند بعضهم إلى سلبية قاتلة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(1) انظر العدد الصادر من جريدة اخبار اليوم في 29 من نوفمبر 1969.
(2) اخبار اليوم 25 / من اكتوبر 1969.
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»