الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٢
وإذا قيل: إن قضايا علم الكلام هي قضايا الغيب المطلق المحجوب الاسرار، ولا يعقل ان يكون للتجربة دور في معالجتها. تذكرنا في رد هذا الرأي ما قاله عربي يعيش على فطرته، وينطق على سجيته، دون ان يكون قد الم بشيء من منطق أرسطو: (البعرة تدل على البعير، واثر السير يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وارض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، الا يدل ذلك كله على الله اللطيف الخبير)؟؟.
وكلمات هذا الأعرابي الصق بالمنهج التجريبي، القائم على الملاحظة، وأقرب إلى التأثير في النفس، واقدر على اقناع العقل، من اية صيغة قياسية ما في ذلك شك.
لقد أصبح سيئا للغاية ان ينطق رجل الدين امام الناس، أو امام الطلاب بقضايا متقادمة، قال بها الأولون، دون ان يحاول مزج المعرفة التقليدية بالجديد، وأكثر ما تتجلى هذه المعرفة التقليدية في علم التوحيد والكلام أو مباحث العقيدة على اختلاف المصطلحات حيث يصر بعض الأساتذة على حكاية النزاع بين المعتزلة وأهل السنة، والفرق بين الأشاعرة والماتريدية، ووجهة نظر الخوارج والشيعة، والخلاف بين الجبرية وغيرهم، وتناقض ما بين العقل والنقل أو تساندهما، وكل ذلك دائر في حلقة مفرغة، بعيدة عن مجال تفكير الشباب المتحول، لان هذا الكلام كله قد أدى وظيفة على خير وجه، حين كان جزءا من صراع عصره حول المفاهيم والقيم، فلما مضى عصره أصبح جزءا من تاريخ الفكر، لا أساسا من أسس النقاش الحي النابع من التجربة المعاشة.
ولذلك يعجز هذا الكلام عن اقناع ملحد حديث يخطئه، لان أسباب الحاده ليست من موضوعات الكلام، فالجدل الحديث لا يتناقش حول الجوهر والعرض، ولا حول القدم والحدوث، وانما هو يتناقش حول حتمية المادة، ووجود المادة الواقعية والمادة العقلية، والعلاقة بين المادة والحركة، حين ينتهي كل موجود مادي في حقيقته إلى حركة، والاحتمالات الرياضية لتأثير الصدفة في نشاة الكون، وامتداده، وحتمية التطور. وحقيقة الوجود في ضوء الادراك الجديد لنسبية الظواهر الكونية، وأهمها الزمان، ذلك البعد الرابع الذي كشفه اينشتاين، والتوقعات العلمية لوجود عوالم أخرى غير عالمنا، في سمائنا، وفي السماوات الأخرى، التي يدركها العلم، أو يحدس بوجودها، ويحاول معرفة شئ عنها... الخ. فإذا لم تكن هذه القضايا الجديدة هي محور النقاش في قاعات الدرس الجامعي. الذي يصوغ عقول الشباب فمعنى ذلك أن جامعاتنا تعمل في فراغ ايديولوجي، وتخرج للمجتمع نماذج خربة، واهنة، أو مشوشة، أو يائسة من جدوى العقيدة في بناء المجتمع الجديد، نماذج تحس في أعماقها بالجفاف الروحي، فهي لم تظفر بأرضية من الفكر الديني تقف عليها مطمئنة في مواجهة رياح التغيير العاصفة، إما لأنها محرومة من هذا اللون من الدراسة،
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»