ولعلي أحتاج إليها بعد ساعة فغلبني الضحك وقلت أتراه يريد أن يصفعني.
قال: ودخل الناس في مذهب ابن عباد وقالوا بقوله رغبة فيما لديه واجتهد بأبي الحسين المتكلم الكلابي أن ينتقل إلى مذهبه فقال الحسين دعني أيها الصاحب أكون مستجدا لك فما بقي غيري فان دخلت في المذهب لم يبق بين يديك من ينبو عليك قبيحة ويبدو للناس عواره فضحك وقال قد أعفيناك يا أبا عبد الله وبعد فما نبخل عليك بنار جهنم أصل بها كيف شئت.
وقال يوما صدروا قول الشاعر: والمنزل العذب كثير الزحام فسكتت الجماعة فقال ابن الداري: يزدحم الناس على بابه قال أبو حيان فاقبل عليه بغيظ وقال ما عرفتك الا متعجرفا جاهلا أما كان لك بالجماعة أسوة انتهى وهذا من أكاذيب أبي حيان وافترائه.
طلب ملك خراسان له واعتذاره قال الثعالبي حدثني أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي قال سمعت الصاحب يقول أنفذ إلي أبو العباس تاش الحاجب رقعة في السر بخط صاحبه نوح بن منصور الساماني ملك خراسان يريدني فيها على الانحياز إلى حضرته ليلقى إلي مقاليد مملكته ويعتمدني لوزارته ويحكمني في ثمرات بلاده فكان فيما اعتذرت به من ترك امتثال أمره والصد عن رأيه ذكر طول ذيلي وكثرة حاشيتي وضمنتي وحاجتي لنقل كتبي خاصة إلى أربعمائة جمل فما الظن بما يليق بي من تجمل مثلي وفي معجم الأدباء كان صاحب خراسان نوح بن منصور الساماني قد أرسل إلى الصاحب في السر يستدعيه إلى حضرته ويرغبه في خدمته وبذل البذول السنية فكان من جملة اعتذاره أن قال كيف يحسن بي مفارقة قوم بهم ارتفع قدري وشاع بين الأنام ذكري ثم كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي وعندي من كتب العلم خاصة ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر.
قال أبو الحسن البيهقي بيت الكتب الذي بالري على ذلك دليل بعد ما أحرق منه السلطان محمود بن سبكتكين فاني طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشرة مجلدات انتهى ويأتي ذكر ذلك عند ذكر خزانة كتبه إن شاء الله تعالى.
وفي هذه القصة ما يدل على شدة وفاء الصاحب وعظم عقله وذياع صيته ومكانته في النفوس ولولا ذلك ما خطب وزارته الساماني.
قال أبو الرجاء الأهوازي لما قدم علينا الصاحب في السنة التي جاء فيها فخر الدولة إلى الأهواز مدحته بقصيدة قلت فيها:
إلى ابن عباد أبي القاسم الصاحب إسماعيل كافي الكفاة فقال قد كنت والله أشتهي بان تجتمع كنيتي واسمي ولقبي واسم أبي في بيت فلما انتهيت إلى قولي فيها: ويشرب الجيش هنيئا بها قال يا أبا الرجاء أمسك فأمسكت فقال:
ويشرب الجيش هنيئا بها * من بعد ماء الري ماء الصراة هكذا هو؟ قلت نعم، قال أحسنت قلت يا مولاي أحسنت أنت عملت أنا هذا في ليلة وأنت عملته في لحظة.
خبره مع نصر بن الحسن بن الفيروزان في معجم الأدباء عن تاريخ الوزير أبي منصور بن الحسين الآبي كان نصر هذا خال فخر الدولة وكان مقداما شجاعا فعصى على فخر الدولة وتغلب على قطعة من ملكه واحتال على جماعة من عسكره فقتلهم وكسر له عدة عساكر ثم كسرته عساكر فخر الدولة فهرب نحو خراسان ثم سلك المفازة إلى الري فوردها لست بقين من شوال سنة 384 وقصد ليلا باب كافي الكفاة مستجيرا به قال الوزير أبو سعد كنت في هذه الليلة بحضرة كافي الكفاة فاتاه الحاجب وقد مضى هزيع من الليل فأخبره بوقوف نصر على الباب خاشعا متضرعا فرأيته قد تحير في الأمر ثم راسله بان السلطان الأعظم يعني فخر الدولة ساخط عليك ولا يجوز لي أن آذن لك في دخول داري الا بعد أن تترضاه فإذا عفا عنك فالدار بين يديك فقال إن ما جئت إلى الصاحب لائذا به ومنقطعا اليه ولا أعرف غيره وهو يحتاج أن يدبر أمري فرأيت الصاحب مترددا بين أن يستمر على المنع وبين أن يأذن له ويجعل داره بما فيها من الخزائن له وينتقل هو إلى دار أخرى ثم تقرر رأيه على صرفه واستمر نصر على الالحاح في الخضوع وطلب الإذن وانتقل من الباب الكبير إلى باب الخاصة وسال واجتهد إلى أن جاءه من قبل فخر الدولة من قبض عليه وحبسه وكان هذا الفعل من الصاحب مستهجنا وأظن أنه لم يفعل لأنه جبن عن الاجتماع معه في دار واحدة مع العداوة المتأكدة بينهما انتهى.
خبر سبطه عباد مر أن الصاحب لم يكن له الا بنت واحدة فزوجها من الشريف أبي الحسين الحسن علي بن الحسين الحسيني فولدت منه ولدا سماه أبوه عبادا باسم جده لأمه فلما أتت الصاحب البشارة بسبطه عباد أنشأ يقول:
أحمد الله لبشري * أقبلت عند العشي إذ حباني الله سبطا * هو سبط للنبي مرحبا ثمة أهلا * بغلام هاشمي نبوي علوي * حسني صاحبي ثم قال:
الحمد لله حمدا دائما أبدا * إذ صار سبط رسول الله لي ولدا فقال أبو محمد الخازن على وزنه ورويه قصيدة أولها:
بشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا * وكوكب المجد في أفق العلا صعدا وقد تفرع في أفق الوزارة عن * دوح الرسالة غصن مورق رشدا لله أية شمس للعلا ولدت * نجما وغابة عز اطلعت أسدا وعنصر من رسول الله وأشجه * كريم عنصر إسماعيل فاتحدا وبضعة من أمير المؤمنين زكت * أصلا وفرعا وصحت لحمة وسدى ومثل هذي السعادات القوية لا * يحوزها غيره دامت له أبدا يا دهره حق أن تزهى بمولده * فمثله منذ كان الدهر ما ولدا تعجبوا من هلال العيد يطلع في * شعبان أمر عجيب قط ما عهدا فمن موالي يوالي الحمد مبتهلا * ومخلص يستديم الشكر مجتهدا وكادت الغادة الهيفاء من طرب * تعطي مبشرها الارهاف والغيدا فلا رعى الله نفسا لم تسر به * ولا وقاها وغشاها رداء ردى