الناس من الري وما يليها واجتمعوا بساوة وقد كان أعد لكل واحد منهم كلاما يلقاه به عند رؤيته فأول من دنا منه القاضي أبو الحسن الهمذاني من قرية يقال لها أسداباد فقال له: أيها القاضي ما فارقتك شوقا إليك ولا فارقتني وجدا علي ولقد مرت لي بعدك مجالس تقتضيك وتحظيك وترضيك ولو شهدتني بين أهلها وقد علوتهم ببياني ولساني وجدلي وبرهاني لأنشدت قول حسان بن ثابت في ابن عباس وهو:
إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه * رأيت له في كل مجمعة فضلا إذا قال لم يترك مقالا لقائل * بملتقطات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع * لذي إربة في القول جدا ولا هزلا سموت إلى العلياء من غير خفة * فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا ولذكرت أيضا أبها القاضي قول الآخر وأنشدته فإنه قال فيمن وقف بموقفي، وقرف مقرفي وتصرف تصرفي، وانصرف منصرفي، واغترف مغترفي:
إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف * لعي ولم بتن اللسان على هجر يصرف بالقول اللسان إذا انتحى * وينظر في أعطافه نظر الصقر ولقد أودعت صدر عضد الدولة ما يطيل التفاته إلي، ويكثر حسرته علي، ولقد رأى مني ما لم ير قبله مثله، ولا يرى بعده شكله، والحمد لله الذي أوفدني عليه على ما يسر الولي، واصدرني عنه على ما يسوء العدو، أيها القاضي! كيف الحال والنفس، وكيف المجلس والدرس، وكيف العرض والحرس، وكيف الدس والعس وكيف والمرس. وكاد لا يخرج من هذا الهذيان لتهيجه واحتدامه وشدة خباله وغلوائه، والهمذاني مثل الفأرة بين يدي السنور وقد تضاءل وقموء لا يصعد له نفس إلا بنزع تذللا وتقللا هذا على كبره في نفسه.
ثم نظر إلى الزعفراني رئيس أصحاب الرأي فقال: أيها الشيخ سرني بقاؤك، ولقد بلغني عداؤك وما خيله إليك خيلاؤك، وأرجو أن لا أعيش حتى يرد عليك غلواؤك، ما كان عندي أنك تقدم على ما أقدمت عليه، وتنتهي في عدوانك لأهل العدل والتوحيد إلى ما انتهيت اليه ولي معك إن شاء الله نهار له ليل، وليل يتبعه ليل وثبور يتصل به ويل، وقطر يدفع ومعه سيل، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار فقال له الزعفراني حسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم أبصر أبا طاهر الحنفي فقال: أيها الشيخ! ما أدري أشكوك أم أشكو إليك: أما شكواي منك، فإنك لم تكاتبني بحرف، كانا لم نتلاحظ بطرف، ولم نتحافظ على ألف، ولم نتلاق على ظرف وأما شكواي إليك فاني ذممت الناس بعدك، وذكرت لهم عهدك وعرضت بينهم ودك. وقدحت عليهم زندك، ونشرت عليهم غرائب ما عندك، فاشتاقوا إليك بتشويقي، واستصفوك بترويقي، وأثنوا عليك بتنميقي وتزويقي، وهكذا عمل الأحباب، إذا نأت بهم الركاب والتوت دونهم الأعناق، واضطرمت في صدورهم نار الاشتياق، فالحمد لله الذي أعاد الشعب ملتئما، والشمل منتظما، والقلوب وادعة والأهواء جامعة، حمدا يتصل بالمزيد، على عادة السادة مع العبيد، عند كل قريب وبعيد، سقى الله ربعا أنت أشدته بنزاهتك وطبعا أنت أطبته ببراعتك، ومغرسا أنت ينعته بنباهتك.
وقال للعيسابازي: أيها القاضي! أيسرك ان اشتاقك وتسلو عني، وان أسال عنك وتنسل مني، وأن أكاتبك فتتغافل، وأطالبك بالجواب فتتكاسل، وهذا ما لا أحتمله من صاحب خراسان، ولا يطمع في مثله مني ملك بني ساسان. متى كنت منديلا ليد، ومتى نزلت عن هذا الحد لأحد، إن انكفأت علي بالعذر انكفاء، والا اندرأت عليك بالعذل اندراء، ثم لا يكون لك فرار بحال، ولا يبقى لك بمكاني استكبار الا على وبال وخبال.
ثم طلع أبو طالب العلوي فقال له: أيها الشريف: جعلت حسناتك عندي سيئات، ثم أضفت إليها هنات، ولم تفكر في ماض ولا آت، أضعت العهد وأخلفت الوعد، وحققت النحس وأبطلت السعد، وحلت سرابا للحيران، بعد ما كنت شرابا للحران، وظننت انك قد شبعت مني، واعتضت عني، هيهات وانى بمثلي، أو من يعثر في ذيلي، أو له نهار أو ليل كليلي، وهل عائض وإن جل عائض أنا واحد هذا العالم، وأنت بما تسمع عالم، لا إله إلا الله سبحان الله أيها الشريف أين الحق الذي وكدناه أيام كادت الشمس تزول، والزمان علينا يصول، وأنا أقول وأنت تقول والحال بيننا يحول، سقى الله ليلة تشييعك وتوديعك، وأنت متنكر تنكرا يسوء الموالي، وأنا متفكر تفكرا يسر العدو ونحن متوجهون إلى ورامين، خوفا من ذلك الجاهل المهين. يعني بالجاهل المهين أبا الفتح ابن أبي الفضل بن العميد.
ثم نظر إلى أبي محمد كاتب الشروط فقال: أيها الشيخ! الحمد لله الذي كفانا شرك، ووقانا عرك وضرك، وأنانا فيحك وحرك دببت الضر إلينا، ومشيت الجمر علينا، ونحن نحيس لك الحيس، ونصفك باللبابة والكيس ونقول ليس مثله ليس، وأنت في خلال ذلك تقابلنا بالويح والويس، لولا أنك قرحان، لسقط بك العشاء على سرحان.
وقال لابن أبي خراسان الفقيه الشافعي: أيها الشيخ! ألغيت ذكرنا عن لسانك، واستمررت على الخلوة بانسانك، جاريا على نسيانك مشتهرا بفتيانك وافتتانك، غير عاطف على أخدانك واخوانك، ولولا أنني أرعى قديما قد أضعته، وأعطيتك من رعايتي ما قد منعته لكان لي ولك حديث، أما طيب وأما خبيث، خلفتك محتسبا فألفيتك مكتسبا، وتركتك آمرا بالمعروف فلحقتك راكبا للمنكر، قد تفيل الرأي وتخيب الظن وتكذب الأمل وقد قال الأول:
ألا رب من تغتشه لك ناصح * ومؤتمن بالغيب وهو ظنين ثم نظر إلى الشادباشي فقال: يا أبا علي! كيف أنت وكيف كنت، فقال يا مولانا:
لا كنت ان كنت أدري كيف كنت ولا * لا كنت ان كنت أدري كيف لم أكن فقال أعرب يا ساقط يا هابط، يا من تذهب إلى الحائط بالغائط ليس