وأجراه على ما كان في أيام أبيه وحضر الصاحب مع مؤيد الدولة فكتب إلى أبي الفتح يهنئه بالوزارة كتابا أوله: أنا أهنئ أطال الله بقاء مولاي الوزارة بإلقائها إلى فضله مقادتها. فكره أبو الفتح موضعه وحمل الجند على الشغب حتى هموا بقتل الصاحب وتلطف الصاحب في خلال ذلك لأبي الفتح وقال له: أنا أتظلم منك إليك وأتحمل بك عليك وهذا الاستيحاش سهل الزوال إذا تألفت الشارد من حملك وعطفت على الشائع من ذكرك ولني ديوان الإنشاء واستخدمني فيه ورتبني بين يديك واحضرني بين أمرك ونهيك وسمني برضاك فاني صنيعة والدك واتخذني بهذا صنيعة لك وليس يجمل أن تكر على ما بني ذلك الرئيس فتهدمه وتنقضه ومتى أجبتني إلى هذا وأمنتني فاني أكون خادمك بحضرتك وكاتبا بطلب الزلفة عندك في صغير أمرك وكبيره وفي هذا إطفاء النائرة التي قد ثارت بسوء ظنك وتصديقك أعدائي علي. ومن هذا يظهر أن بعض أعداء الصاحب كانوا قد أوغروا صدر أبي الفتح عليه.
فقال أبو الفتح في جوابه والله لا تجاورني في بلد السرير وبحضرة التدبير وخلوة الأمير ولا يكون لك إذن علي ولا عين عندي وليس لك مني رضا إلا بالعود إلى مكانك من أصبهان والسلو عما تحدث به نفسك. فامر مؤيد الدولة الصاحب بالعودة إلى أصبهان فخرج من الري لثمان خلون من ربيع الأول سنة 366 على صورة قبيحة متنكرا بالليل وذلك أنه خاف الفتك والغيلة وبلغ أصبهان وألقى عصاه بها ونفسه تغلي وصدره يفور والخوف شامل والوسواس غالب. وهم أبو الفتح بانفاذ من يطالبه ويؤذيه ويهينه ويعسفه. قال الوزير أبو سعد سمعت الصاحب يذكر أمره فقال في أثناء كلامه أن مؤيد الدولة قال لي عند خروجي إلى أصبهان أن ورد عليك كتاب بخطي أو جاءك أجل حجابي وثقاتي للاستدعاء فلا تبرح من أصبهان إلى أن يجيئك فلان الركابي فإنه إن اتجهت لي حيلة على هذا الرجل يعني وزيره أبا الفتح بن أبي الفضل بن العميد وأمكنني الله من القبض عليه بادرت به إليك وهو العلامة بيني وبينك. قال فاستعظمت لحداثة سني وغرة الصبي وقلة التجربة ما حكاه الصاحب من قول مؤيد الدولة: إن اتجهت لي حيلة على هذا الرجل وتعجبت منه وأردت الغض من أبي الفتح فقلت وكان لأبي الفتح من القدر إن يصعب حبسه أو يحتاج إلى الاحتيال معه فانتهرني الصاحب وقال يا فلان أنت صبي تحسب أن القبض على الوزراء سهل ففطنت أنه يريد الرفع من شان الوزارة وتفخيم أمرها فعدلت عن كلامي الأول إلى غيره. ولم يمض أكثر من شهر على عودة الصاحب من الري إلى أصبهان حتى أمر مؤيد الدولة بالقبض على وزيره أبي الفتح وحبسه ونكبه حتى مات في حبسه وقيل قتله كما يأتي في ترجمته واستوزر الصاحب واستولى على أموره وحكمه في أمواله. وفي معجم الأدباء: قال غرس النعمة حدث أبو إسحاق إبراهيم بن علي النصيبي قال كان أبو الفتح علي بن الفضل بن العميد قد دبر على الصاحب بن عباد حتى أزاله عن كتبة الأمير مؤيد الدولة وأبعده عن حضرته بالري إلى أصفهان وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كان يدبرها لأبيه ركن الدولة واستدعى يوما ندماءه وعبا لهم مجلسا عظيما وشرب وعمل شعرا غنى به وقال لغلمانه غطوا المجلس لاصطبح في غد عليه فدعاه مؤيد الدولة في السحر فلم يشك أنه لهم فقبض عليه وأنفذ إلى داره من استولى على جميع ما فيها وأعاد ابن عباد إلى وزارته وتطاولت بابن العميد النكبة حتى مات فيها انتهى.
ولم يزل الصاحب على ذلك حتى توفي مؤيد الدولة بالتاريخ الآتي وظل الصاحب على اخلاصه لابن العميد ولآل العميد حتى توفي ابن العميد ووقع بين الصاحب وبين ابنه أبو الفتح ما وقع فانقلبت تلك الصداقة مع الأب إلى عداوة مع الابن حتى صار الصاحب ينحرف عن كل ما يمت بالصحبة لآل العميد. قال الثعالبي: حدثني أبو الحسين النحوي قال: كان الصاحب منحرفا عن أبي الحسين بن فارس لانتسابه إلى خدمة أبي العميد وتعصبه له فانفذ اليه من همذان كتاب الحجر من تأليفه فقال الصاحب رد الحجر من حيث جاءك ثم لم تطب نفسه بتركه فنظر فيه وامر له بصلة مع أن الصاحب تلميذ ابن فارس وفيه يقول: شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف وأمن فيه من التصحيف. وفي إحدى رسائل الصاحب ما يدل على موجدته على آل العميد حيث يقول ووضعت ما كانت العميدية والقمية ألزمته من صروف وطالبت به من قروف وفي كلام أبي حيان التوحيدي ما يدل على شدة العداوة بين الصاحب وأبي الفتح ابن العميد على أن ذلك لا يحتاج إلى دليل فالذي فعله أبو الفتح مع الصاحب كما مر يكفي أقله لأعظم عداوة. وأحسن الصاحب في خدمة مؤيد الدولة وحصل له عنده بقدم الخدمة قدم وانس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة فلقبه بالصاحب كافي الكفاة كما مر عن الصابي في كتاب التاجي أنه هو الذي لقبه بالصاحب لصحبته إياه وكان ركن الدولة قبل وفاته عهد بالملك بعده إلى ولده عضد الدولة فناخسرو وجعل لولده فخر الدولة أبي الحسن علي همذان وأعمال الجبل ولولده مؤيد الدولة أصبهان والري وأعمالهما وكان فخر الدولة مداجيا لأخويه وقد كاتبه ابن عمه بختيار بن معز الدولة ودعاه إلى الاتفاق معه على عضد الدولة فاجابه إلى ذلك فعلم عضد الدولة به فحاربه واستولى على بلاده سنه 369 وأضافها إلى أخيه مؤيد الدولة صاحب أصبهان والري وأعمالها فهرب فخر الدولة إلى جرجان والتجأ إلى شمس المعالي قابوس بن وشمگير فامنه وآواه وفي سنة 370 كان عضد الدولة بهمذان فأرسل إليه مؤيد الدولة الصاحب بن عباد رسولا ببذل الطاعة والموافقة فتلقاه عضد الدولة على بعد من البلد وبالغ في إكرامه ورسم لأكابر كتابه وأصحابه تعظيمه ففعلوا ذلك حتى أنهم كانوا يغشونه مدة مقامه مواصلة ولم يركب هو إلى أحد منهم وذلك يدل على عظم مكانة الصاحب في النفوس وكبر عقل عضد الدولة. وقد كتب الصاحب إلى مؤيد الدولة رسالة يصف فيها ما لقيه من عطف عضد الدولة. من جملتها: فاما إنعام مولانا على عبده وصنيع يده واستقباله بنفسه والدنيا تسير بسيره وخدود النجم مع سنابك خيله وتلقيه إياه بوزراء بابه وأمراء أجناده وعظماء قواده منصرفين مع الإعظام ومتحفين في اللقاء والسلام ثم رتبني به في دخولي إلى الدار المعمورة بالعز وحضوري المجلس المحفوف بالملك والتبليغ بي إلى رتبة لم يقسمها حرس الله ملكه لأحد ممن غشي بابه المأمول من أطراف الأرض وأعيان الشرق والغرب واستجلاسي بحضرته التي يقف بها القمران على النواصي والهام إلى ضروب من الأنعام واستعظم والله وصفها وإن كانت الأخبار قد سارت على متون الرياح بها. وفي ذيل تجارب الأمم كان غرض عضد الدولة بذلك استمالة مؤيد الدولة وتأنيس الصاحب انتهى ووردت كتب مؤيد الدولة يستطيل مقام الصاحب ويذكر اضطراب أموره بعده فخلع عضد الدولة على الصاحب الخلع الجليلة وحمله على فرس بمركب ذهب ونصب له دستا كاملا في خركاه يتصل بمضاربه وأجلسه فيه وأقطعه ضياعا جليلة من نواحي فارس وحمل إلى مؤيد الدولة في صحبته ألطافا كثيرة وضم إليه من العسكر المستأمن عن فخر الدولة عددا ليكونوا برسم خدمة مؤيد الدولة. قال أبو حيان: لما رجع الصاحب من همذان سنة 369 بعد أن فارق حضرة عضد الدولة استقبله