الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٨٣
قال علي: أما كثرة الرواة فقد قدمنا إبطال الاحتجاج بها، لأنهم يتركون أكثر ما نقله أهل الأرض - برهم وفاجرهم - وهو ظاهر القرآن لما نقله واحد، فكيف يجوز لمن فعل ذلك أن يغلب ما نقله ثلاثة على ما نقله واحد؟
وليس في التناقض وقلب المعقول أكثر من هذا، وأما الأحاديث التي ذكروا فلا حجة لهم فيها، وبعضها حجة عليهم.
أما حديث أبي بكرة فقد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك نصا وقال له:
زادك الله حرصا ولا تعد فنهاه عن العودة إلى التكبير خلف الصف وحده، ولم يأمره عليه السلام بإعادة الصلاة. قال قوم: لان أبا بكرة جهل الحكم في ذلك قبل أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله ذلك لا يجوز، فأعلمه بنهيه إياه عن أن يعود لذلك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أساء الصلاة في حديث رافع بالإعادة مرة بعد مرة، فلما قال له: يا رسول الله، والله ما أدري غير هذا فعلمني، فعلمه، ولم يأمره حينئذ الإعادة، ولو أن أبا بكرة يعود لما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبطلت صلاته بلا شك، لأنه كان يكون مؤديا لصلاة لم يؤمر بها غير الصلاة التي أمر بها بحكم ضرورة العقل، وقد قال عليه السلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق: أن خبر أبي بكرة موافق لمعهود الأصل في إباحة الصلاة حيث شاء وأنه حينئذ ثبت الامر بالمنع من الصلاة خلف الصف، فجازت صلاته الكائنة قبل ورود الامر، ولزم النهي عنه في المستأنف، ولأن النهي عن الصلاة خلف الصف أمر وارد، وحكم زائد، وشرع حادث بلا شك، فهو ناسخ للإباحة المتقدمة بيقين، وأما الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بعد قوله: ارجع فصل فإنك لم تصل فإن الامر بالصلاة ثابت عليه ولا بد، ولازم حتى يؤديه كما أمره عليه السلام، وليس في ذلك الخبر أنه عليه السلام أسقط عنه لجهله ما كان أمره به من الصلاة ما دام وقتها قائما.
فلا يجوز أن يسقط أمر متيقن بظن كاذب، وبالله تعالى التوفيق.
وأما حديث جدة أنس بن مالك، فإنما ذلك حكم النساء، وهكذا نقول: إن حكم النساء في ذلك مخالف لحكم الرجال، وإن حكم المرأة والنساء ألا يصلين
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258