الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٧٨
الحيض كسؤال المرأة عنه ولا فرق، وحرص العالم على أن يتعلم كحرص الممتحن بالنازلة التي يسأل عنها ولا فرق، وإنما أوجبنا الغسل من الاكسال لحديث أبي هريرة لأنه زائد على سائر الأحاديث، لان الأصل أن لا غسل على أحد، وجاء حديث أبي هريرة بإيجاب الغسل، فكان شريعة واردة زائدة بيقين، ثم لم يصح أنها نسخت، ولو لم يكن في ذلك إلا حديث عائشة رضي الله عنها لما وجب به الغسل، لأنه ليس فيه إلا: فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا. وليس في هذا الحديث إيجاب الغسل، وإنما فيه أن الغسل فضل فقط.
وقد روي وصح أنه عليه السلام كان ربما اغتسل بين كل وطأتين وليس ذلك واجبا، فلو لم يكن هنا إلا قول عائشة رضي الله عنها لكان اغتساله عليه السلام من الاكسال كاغتساله بين كل وطأتين ولا فرق، وإنما هو عمل يؤجر من ائتسى به عليه السلام، ولا يأثم من لم يفعله غير راغب عنه، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين على الآخر، بأن يكون أحد المختلفين استعمل كل واحد من الخبرين في موضع الخلاف، فيكون أولى ممن لا يستعملها، ومثلوا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: كل امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل مع قوله عليه السلام: الأيم أحق بنفسها من وليها.
قال علي: وهذا الذي ذكروا لا معنى له، بوجه من الوجوه هو كلام ساقط زائف، لأنه ليس عمل أحد الخصمين حجة على الآخر، إلا أن يأتي ببرهان يصحح عمله، وأما الحديثان اللذان ذكروا فإنما حملناهما على ظاهرهما فأبطلنا نكاح كل امرأة نكحت بغير إذن مواليها ثيبا كانت أو بكرا، على عموم الحديث.
وظاهر لفظه المفهوم منه في بطلان نكاحها بغير إذنهم، وهو الذي لا يحل لاحد تعديه، وقلنا الأيم أحق بنفسها من وليها في اختيار نكاح من شاءت، والاذن فيه أورده فلا اعتراض لوليها في ذلك عليها، ولا على كل بالغ من بكر - ذات أب أو يتيمة - بأحاديث أخر وآي مضافة بعضها إلى بعض، فاستثنينا الانكاح وحده وهو المنصوص عليه من سائر أحوالها، لأنه الأخص فاستثني من الأعم، وكانت أحق بنفسها في سائر أمورها كلها من وليها حاشا عقد الانكاح وحده، وهذا هو لفظ الحديثين نصا بلا مزيد.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258