الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٧
فحرام ترك اليقين للشكوك. وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وقد اضطرب خاطر أبي بكر محمد بن داود رحمه الله إلى ما ذهبنا إليه إلا أنه رحمه الله اخترم قبل إنعام النظر في ذلك، وذلك أنه قال في كتاب الوصول والعمل في الخبرين المتعارضين كالعمل في الآيتين ولا فرق.
قال علي: وقال بعض أهل القياس: نأخذ بأشبه الخبرين بالكتاب والسنة.
قال علي: وهذا باطل، لأنه ليس الذي ردوا إليه حكم هذين الخبرين أولى بأن يأخذ به من الخبرين المردودين إليه، بل النصوص كلها سواء في وجوب الاخذ بها، والطاعة لها، فإذ قد صح ذلك بيقين، فما الذي جعل بعضها مردودا وبعضها مردودا إليه، وما الذي أوجب أن يكون بعضها أصلا وبعضها فرعا، وبعضها حاكما وبعضها محكوما فيه؟ فإن قال: الاختلاف الواقع في هذين هو الذي حط درجتهما إلى أن يعرضا على غيرهما.
قال علي: وهذه دعوى مفتقرة إلى برهان، لأنه ليس الاختلاف موجبا لكونهما معروضين على غيرهما، لان الاختلاف باطل، فظنهم أنه اختلاف ظن فاسد يكذبه قول الله عز وجل: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فإذ قد أبطل الله تعالى الاختلاف الذي جعلوه سببا لعرض الحديثين على سنة أخرى أو آية أخرى، فقد وجب ضرورة أن يبطل مسببه الذي هو العرض، وهذا برهان ضروري، وبالله تعالى التوفيق قال علي: وإذا كانت النصوص كلها سواء في باب وجوب الاخذ بها، فلا يجوز تقوية أحدها بالآخر، وإنما ذلك من باب طيب النفس، وهذا هو الاستحسان الباطل وقد أنكره بعضهم على بعض.
قال علي: وقد رجح بعض أصحاب القياس أحد الخبرين على الآخر بترجيحات فاسدة، نذكرها إن شاء الله تعالى، ونبين غلطهم فيها بحول الله تعالى وقوته. فمن ذلك أن قالوا: إن كان أحد الخبرين معمولا به قال علي: وهذا غير باطل لما نذكره إن شاء الله تعالى بعد هذا - في فصل فيه إبطال قوم من احتج بعمل أهل المدينة - إلا أننا نقول ها هنا جملة: لا يخلو الخبر
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258