الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٣
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فأخبر عز وجل أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم وحي من عنده، كالقرآن في أنه وحي، وفي أنه كل من عند الله عز وجل، وأخبرنا تعالى أنه راض عن أفعال نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه موفق لمراد ربه تعالى فيها لترغيبه عز وجل في الائتساء به عليه السلام، فلما صح أن كل ذلك من عند الله تعالى، ووجدناه تعالى قد أخبرنا أنه لا اختلاف فيما كان من عنده تعالى - صح أنه لا تعارض ولا اختلاف في شئ من القرآن والحديث الصحيح، وأنه كله متفق كما قلنا ضرورة، وبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض، أو ضرب الحديث بالقرآن، وصح أن ليس شئ من كل ذلك مخالفا لسائره، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا أن الذي ذكرنا من العمل هو القائم في بديهة العقل الذي يقود إليه مفهوم اللغة التي خوطبنا بها في القرآن والحديث، وبالله تعالى التوفيق، وكل ذلك كلفظة واحدة وخبر واحد موصول بعضه ببعض، ومضاف بعضه إلى بعض، ومبني بعضه على بعض، إما بعطف وإما باستثناء، وهذان الوجهان - نعني العطف والاستثناء - يوجبان الاخذ بالزائد أبدا. وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - في حلة عطارد - إذ قال لعمر رضي الله عنه: إنما يلبس هذه من لا خلاق له ثم بعث إلى عمر حلة سيراء فأتاه عمر فقال: يا رسول الله أبعثت إلي هذه، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال عليه السلام: إني لم أبعثها إليك لتلبسها وفي بعض الأحاديث: إنما بعثتها إليك لتصيب بها حاجتك أو كلاما هذا معناه.
ففي هذا الحديث تعليم عظيم لاستعمال الأحاديث والنصوص والاخذ بها كلها، لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ملك الحلة من الحرير وبيعها وهبتها وكسوتها النساء، وأمر عمر أن يستثني من ذلك اللباس المذكور في حديث النهي فقط، وأن لا يتعدى ما أمر إلى غيره، وألا تعارض بين أحكامه عليه السلام قال علي: وفي هذا الحديث إبطال القياس، لان عمر رضي الله عنه أراد أن يحمل الحكم الوارد في النهي عن اللباس على سائر وجوه الانتفاع به، فأخبره
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258