الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٨٤
مع رجل في صفه، وهذا ما لا خلاف فيه، فأخذنا بحديث جدة أنس بن مالك في النساء، وبحديث وابصة في الرجال، لأنه جاء منصوصا في رجل صلى خلف الصف، فأخذنا بكلا الحديثين، وأطعنا أمره عليه السلام في جميع الوجهين، ولم نعص شيئا من أحكامه عليه السلام، ولا ضربنا بعضها ببعض، ولا أبطلنا بعضها ببعض، ولم نجعل فيها اختلافا وليس من ترك حديث وابصة لحديث جدة أنس بأولى من أن يكون مصيبا ممن ترك حديث جدة أنس لحديث وابصة، فأبطل ذلك على المرأة كإبطاله على الرجل، وكل ذلك لا يجوز، وليس أحد الحديثين أولى بالطاعة من الآخر، والغرض أن يستعملا جميعا فيما ورد فيه، فيؤمر الرجل الذي يصلي خلف الصف وحده بالإعادة، ولا تؤمر المرأة.
وأما حديث ابن عباس: فإنه كبر مع النبي صلى الله عليه وسلم منفردا في مكان لا يصلح له الوقوف فيه، وهو جاهل بذلك غير عالم بالسنة فيه، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المكان الذي حقه أن يقف فيه، ولم يبطل ما عمل متأولا بغير علم، وكذلك نقول في الرجل المأمور بالإعادة، إنه لولا أن النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تقدم عن ذلك لما أمر بالإعادة.
وقد اعترض بعضهم باعتراضين غثين فقالوا: لعل أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ألا يعود، إنما كان من سعيه بالكد إلى الصلاة، فقيل لهم: نعم كذلك نقول: إنه عليه السلام نهاه بقوله: لا تعد عن كل عمل عمله على غير الواجب، وكان من أبي بكرة رضي الله عنه في ذلك الوقت أعمال منهي عنها، أحدها سعيه إلى الصلاة، والثاني تكبيره دون الصف، والثالث مشيه في الصلاة فعن كل ذلك نهاه عليه السلام بقوله: ولا تعد لا سيما وقد روينا نص قولنا بلا إشكال. كما حدثنا عبد الله بن ربيع قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي، ثنا أحمد بن جعفر، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الحجاج بن المنهال السلمي، حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه علي بن شيبان قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى الصلاة، ورجل فرد يصلي خلف الصف. فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضى الرجل صلاته ثم قال له
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258