الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٥٧
المعارض في نفسه حجة كإطلاق آخر أو لا كالشهرة بناء على أنها قادحة في الحجة وليست بحجة وكذا الحال فيما لو شك في طهارة الاناء في الولوغ بما دون السبع وطهارة الثوب المتنجس بغير بول الرضيع بدون العصر وطهارة موضع النجو بذي الجهات إلى غير ذلك سواء قلنا بأن الطهارة اسم شرعي ولم نحققه في الموارد المذكورة أو قلنا بأنها موضوعة لمعنى عرفي وحصل الشك لمعارض كما مر وعلى قياسه الكلام في المعاملات والايقاعات وما يلحق بها وقد سبق التنبيه على هذه المسألة عند بحث الحقيقة الشرعية و نقول هنا توضيحا وتنقيحا إن أصل البراءة وإن كان باعتبار عموم أدلته ناهضا بنفي الوجوب الغيري عند الشك كالنفسي فيصح نفي وجوب الاجزاء والشرائط المشكوكة للتوصل بها إلى فعل الكل و المشروط إلا أن المستفاد من أدلته إنما هو مجرد نفي الحكم لا إثبات لوازمه العادية ككون الماهية المجعولة معراة عن اعتبار ذلك الجز و ذلك الشرط فلا يصلح دليلا على نفي الجزئية والشرطية ليتعين به الماهية المخترعة كما هو الثمرة في الاستدلال بالأصل بل حينئذ قضية ثبوت الاشتغال بها وجوب الاتيان بهما تحصيلا لليقين بالبراءة والفرق بين هذا الوجوب والوجوب الذي نفيناه أولا هو الفرق بين وجوب مقدمة الواجب ووجوب مقدمة العلم به فاتضح بما قررنا أن لا ثمرة يترتب على نفي الوجوب بالاعتبار الأول وحيث إن مرجع النزاع في جريان أصل البراءة في المقام وعدمه إلى جريانه فيه على وجه يترتب عليه الثمرة وعدمه فالمتجه هو القول بعدم جريانه مطلقا وأما وجوب الجز في ضمن الكل فلا سبيل إلى نفيه بالأصل لأنه في معنى نفي وجوب أحد المركبين مع أن نسبة الوجوب إلى كل واحد منهما سواء والفرق بين المقام وبين بقية موارد أصل البراءة حيث يجري فيها ولا يجري فيه أن البراءة من القدر المتيقن من الاشتغال هنا لا يحصل بإتيان القدر المتيقن بخلاف بقية الموارد فإن البراءة بفعل ما ثبت الاشتغال به لا تناط بحصول غيره في غير المقام على تقدير الاشتغال به في الواقع بخلاف المقام فإن البراءة بفعل البعض منوطة بفعل الباقي على تقدير الاشتغال به فيتوقف العلم بها عليه إذ لا علم بمطلوبية القدر المعلوم مستقلا وإنما المعلوم مطلوبيته في الجملة إما مستقلا أو منضما ولا سبيل إلى تعيين الأول بأصالة عدم تعلق الوجوب التبعي بالجز أو الشرط المشكوك فيه لان ذلك أصل مثبت ولا تعويل عليه عندنا ودعوى أن التكليف لا يتعلق إلا بالقدر المبين وإلا لزم التكليف بالمجمل وهو محال ممنوعة لان المجمل الذي لا يجوز تعلق التكليف به هو المجمل الذي لا سبيل إلى امتثاله و ظاهر أن المقام ليس منه وإلحاق الغائبين عن مجلس الخطاب بالحاضرين فيه في وجوب الاقتصار على ما ثبت لهم وبلغهم من البيان إنما يتم إذا وصل إليهم خطاب دال بظاهره على حصر أجزأ الماهية و شرائطها في أمور معينة كما هو الغالب في حق الحاضرين كقوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي والكلام هنا مبني على تقدير عدمه إذ المقصود إثبات حجية أصل البراءة وأصل العدم في المقام دون ظاهر النص وأما إذا لم يدل الخطاب على الحصر كما لو ورد نص بأن الركوع جز من الصلاة ثم ورد نص آخر بأن السجود جز وهكذا كان تمسك الحاضرين بأصل البراءة وأصل العدم في نفي غير المذكور منه تمسك الغائبين بهما في كونه في محل المنع قد نبهنا عليه سابقا وكذا الكلام في أصل العدم نعم لا يبعد دعوى مساعدة جملة من أخبار الباب على أصالة عدم الزيادة المشكوك فيها في المقام لا باعتبار حجب العلم أو عدم العلم بالتكليف بالمشكوك فيه ليتوجه عليه دعوى عدم الحجب فيه بالنظر إلى الظاهر تحصيلا ليقين البراءة كما في سائر الأحكام التكليفية الظاهرية بل باعتبار دلالتها على نفي الجزئية والشرطية مما شك في جزئيته أو شرطيته من حيث حجب العلم عنها ظاهرا أو واقعا إذ ليس في وجوبها من باب المقدمة تحصيلا ليقين البراءة دلالة على إثبات الجزئية أو الشرطية للواجب مطلقا فإذا ثبت بعموم الروايات المذكورة سقوط اعتبار جزئيته أو شرطيته في الظاهر حصل العلم بالبراءة بدونه في الظاهر فيسقط اعتبار كونه مقدمة و هل هذا إلا كسقوط اعتبار جزئية ما عدا الأركان في حق الناسي و شرطية بعض الشرائط كطهارة البدن واللباس بالنسبة إلى الجاهل و سيأتي لهذا مزيد توضيح إن شاء الله وأما المقام الثالث أعني الشبهة في الموضوع فأصل البراءة يجري في بعض موارده دون بعض و تفصيل الكلام فيه يجري في مقامات الأول أن يشتبه الواجب بغير الحرام بحيث يعلم دخول الواجب في جملة محصورة عرفا وعادة سواء كان جميع الافراد محصورة أيضا أو لا ففي مثل هذا لا يجري أصل البراءة بل يجري أصل الاشتغال فيجب الاتيان بجملة يعلم بإتيان الواجب فيها ما لم يشتركا في الصورة حيث لا يعتبر تعيين العمل فيؤتى بها عما في الذمة ويعتبر في وجوب الاتيان بالجملة تعذر تعيين الواجب أو تعسره حيث يعتبر نية القربة في الواجب ويكون الاشتباه بينه وبين غير الراجح وإنما وجب الاتيان بها تحصيلا لليقين بفعل الواجب والبرأة عنه ودفعا لخوف الضرر المترتب على تركه المحتمل على تقدير الاقتصار على فعل البعض فإن قضية إطلاق الامر عدم سقوطه بالاشتباه مع بقاء التمكن من الامتثال فيترتب على تركه على تقدير عدم مصادفته له آثاره المترتبة عليه من تفويت الثواب واستحقاق الذم والعقاب ولا ريب في وجوب التحرز عن موارد خوف الضرر عقلا ونقلا أ لا ترى أن من علم بتوقف بقائه وحياته على استعمال أحد الدوأين مثلا وعلم بعدم ترتب ضرر على استعمال الاخر واشتبه النافع بغيره وجب عليه عند العقلا أن يستعملهما حتى إنه لو ترك
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»