الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٥٩
الاتيان بالواجب ولحق بما عداه حكمه ثم إن الفاضل المعاصر قد أورد على القائلين بوجوب الاحتياط بالثلاث فيمن اشتبهت عليه الفائتة بالخمس أمرين الأول أن الفائدة في الاتيان بالكل إن كان تحصيل اليقين بالواجب الواقعي فهو لا يحصل بذلك لفوات قصد التعيين في الامتثال وهو من المسائل الاجتهادية ومعه لا يحصل اليقين بإتيان الواجب الواقعي ومجرد المطابقة في عدد الركعات غير مفيد مع انتفاء قصد التعيين والجهر والاخفات وإن رجح ذلك بأن الموافقة في العدد أقرب في البدلية من المخالفة فغاية ما يثبت به أن يكون الموافقة أقرب البدلين وهو خارج عن محل الفرض لان الكلام في وجوب قضاء الفائتة لا في وجوب بدل قضائها فإن ما يتمسك به هنا هو أدلة وجوب القضاء لا بدل القضاء والمغايرة الحاصلة في هذه البدلية غير المغايرة الحاصلة لأصل الفائتة مع قضائها لأنه مما لا مناص عنه مع أنه لو كان الحجة وجوب الاحتياط لوجب الخمس لا سيما مع ملاحظة وجوب الجهر والاخفات ومن هذا البيان يظهر ضعف القول بوجوب الجمع بين الظهر والجمعة والقصر والاتمام في أربع فراسخ بالنسبة إلى من تعارضت عنده الأدلة فإن قضية التعارض التخيير ووجوب أحدهما والأصل عدم وجوب التعيين على من لم يثبت عنده الخصوصية الثاني أنه لا وجه للاحتياط هنا لان ما عدا الواجب محرم تشريعي فالتخلص بالاحتياط عن ترك الواجب يؤدي إلى الوقوع في المحرم ثم اعتذر عن ورود مثل ذلك على ما صار إليه من استحباب الاتيان بالباقي رجأ لتحصيل الواجب الواقعي بأن التشريع المحرم إنما هو إدخال ما لم يعلم أنه من الدين فيه بقصد أنه منه لا الاتيان بما يحتمل أنه منه رجأ أنه منه فإذا ثبت خلوه عن التحريم ولو بمعونة الأصل أمكن إثبات الرجحان المعتبر في العبادة بأن في الواجب الواقعي مصلحة خاصة ففي فعل الباقي رجأ لتحصيل تلك المصلحة ورفع الاحتمال فوتها فربما يتناوله قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات ويشمله قوله صلى الله عليه وآله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنه محمول على مطلق الرجحان ثم جعل من هذا الباب إعادة الصلحاء عباداتهم بعد ازدياد معرفتهم بمسائل العبادات وحكى مقالة الشهيد في الذكرى في مسألة إعادة العبادة بما أورد فيها من الأدلة على الجواز والمنع وقال بعد الحكاية وللنظر في أكثر أدلة الفريقين مجال واسع إلا أن ما ذكره الشهيد مع ما ثبت من التسامح في أدلة السنن يكفي في استحباب الاحتياط مضافا إلى قوله عليه السلام أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت هذا محصل كلامه والجواب أما عن الأول فبأن الاتيان بالثلاث ليس لتحصيل اليقين بالاتيان بالصلاة الواقعية بل لتحصيل اليقين بالاتيان بما ثبت من الأدلة الشرعية أنها الصلاة الواقعية فلا يضر فوات ما ثبت بها أنه لا يعتبر فيها كالجهر والاخفات في الرباعية المشتبهة وإن لم يقطع به كما لا يضر فوات مثل ذلك في صورة عدم الاشتباه وقد عرفت الحال في قصد التعيين وأما ما أورده على ترجيح الموافقة للعدد من أن الكلام في قضاء الفائتة لا في بدل القضاء فمدفوع بأن ترجيح الموافقة من جهة الأقربية لا يلزم أن يكون بالنظر إلى بدليتها عن القضاء بل بالنظر إلى بدليتها عن الفائتة فلا تخرج عن محل الفرض ويشمله أدلة القضاء وكما أن مغايرة القضاء في صورة عدم الاشتباه مع الفائتة في مثل الوقت مما لا محيص عنه كذلك مغايراتها لها في صورة الاشتباه في قصد التعيين مما لا محيص عنه فإذا جاز بدلية القضاء مع تحقق المغايرة الأولى جاز بدليتها مع تحقق المغايرة الثانية أيضا وأما ما ذكره من أنه لو كان الحجة وجوب الاحتياط لوجب الخمس ففيه أن قاعدة الاحتياط إنما يقتضي التكرير على وجه يتحقق معه العلم بإتيان الفائتة وهو يتم هنا بفعل ثلاث صلوات لدلالة النص في المقام على سقوط حكم الجهر والاخفات في الرباعيات وتعيين نوعها على تقدير اشتراطنا له في صورة عدم الاشتباه نعم لولا النص على ذلك لتوجه القول بوجوب الأربع بل الخمس لو اشترطنا تعيين النوع ولم يقم دليل على سقوطه هنا مع إمكان أن يقال لا يشترط تعيين نوع العمل في النية مع تعينه في الواقع لا سيما في حال الاشتباه فيكفي نية ما في الذمة وأنه يسقط وجوب الجهر والاخفات مع الجهل به وإن كان الجهل موضوعيا فيكون الاكتفاء بالثلاث على القاعدة وأما تفريعه ضعف القول بوجوب الجمع بين الظهر والجمعة والقصر و الاتمام على بيانه السابق فضعفه ظاهر مما مر فإن الفرق بين المقامين بين وتوضيح المقام وتحقيقه أنه قد يجهل الحكم الشرعي وما في حكمه من الموضوعات الشرعية كالعبادات المجعولة فتارة من جهة تعارض الأخبار المعتبرة بعد تكافئها في المرجحات المقررة و لا إشكال حينئذ في التخيير وأخرى من جهة تعارض غيرها من الأدلة الاجتهادية ولو معها مع التكافؤ فيرجح العمل بما يعاضده الأصول الظاهرية من الأصل ثم الاحتياط ومع انتفاء المعاضد يتعين التخيير دفعا للترجيح من غير مرجح ومثله الجهل بالحكم من جهة فقد الدليل فيعمل تارة بأصل البراءة أو الإباحة كما إذا دار الامر بين الوجوب أو التحريم النفسيين وبين الإباحة ومرة بالاحتياط كما إذا دار الامر بين شرطية شئ لواجب وعدمها مع العلم بعدم المانعية و يصار أخرى إلى التخيير كما إذا دار الامر بين شرطيته ومانعيته له فيتخير في الاخذ بأحدهما حيث يتعذر الاحتياط بالتكرير أو يعلم عدم وجوبه حينئذ ولو بقاعدة العسر والحرج وقد يجهل موضوع الحكم وهذا قد يكون من جهة الجهل بالوضع إما لخلو كلام اللغويين عن بيانه أو لتعارض أقوالهم فيه مع التكافؤ وحكمه حكم تعارض عن الاخبار من الأدلة وقد يكون من جهة الجهل بالمصداق
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»